لكل إنسان على وجه المعمورة أمنية يأمل أو يطمح إلى تحقيقها خلال مسيرة حياته. وهذه الأمنية ربما تكون صغيرة أو كبيرة، بحسب الإمكانات الفكرية والمادية للإنسان.
والآمال والأمنيات الإنسانية في غالبها ذاتية، تمتاز بالأنانية وحب التملك. إلا أن الحال مع الأم مختلفة تماماً. فالأم أملها مختلف عن آمال الآخرين، لأن طموحها ليس ذاتياً. فهي تتمنى أن ترى أولادها وأحبابها في أفضل المراتب وأحسن الأحوال، وذلك لأنها ترى أملها وطموحها وذاتها بهم؛ فهم أملها قبل أن يولدوا، وحتى نهاية رحلة الحياة.
ومما جاء في "مجمع الأمثال"، أن عاقّاً رمى أمه في واد استجابة لزوجته. فمر بها رجل وهي تبكي، فقال: ما يُبكيك؟ قالت: مضى ابني، وأخاف أن يفترسه الأسد!
هذه الحالة من الرقي في الإيثار والرحمة والعطف والتسامح، نجدها لدى كل الأمهات؛ فهنّ بحر متلاطم من الحنان والرقة والعطف. وعليه، فأنا أعتقد جازماً أن كل الجهود الإنسانية -مهما عظمت- لا يمكنها أن ترد للأمهات بعض تضحياتهن وصبرهن ودموعهن.
في الحادي والعشرين من آذار (مارس)، يحتفل العالم في كل عام، بيوم/ عيد الأم العالمي. والحق أن كل الأيام ينبغي أن تكون للأم، وهذا جزء من استحقاقها الطبيعي.
الأم هي الوطن والتاريخ والحضارة، وهي المدرسة، والركن الهادئ في الحياة. وهي نبع لا ينضب من الطيبة والرقة والرأفة والحنان الصادق، والمحبة الحقيقية. هي الروح التي تسري في أجسادنا.
الأم العراقية هي الأخرى تحتفل في يومها السنوي. لكن احتفالها -مع شديد الأسف والألم- من نوع خاص، وبشكل مختلف أيضا!
الأم العراقية أحلامها متلازمة مع واقعها المأساوي الذي وجدت نفسها، كبقية العراقيين، فيه. وعليه، فهي تحلم:
- أن ترى ابنها المعتقل منذ سنوات طويلة، حراً طليقاً، يعيش أمام عينيها. وقضية الاعتقالات صارت واحدة من الصور المؤلمة المتكررة في المشهد العراقي اليومي. وقبل أيام، تابعت لقاء مباشراً على إحدى القنوات الفضائية مع مجموعة من النسوة في منطقة الدورة جنوبي بغداد، حيث أكدت أكثر من امرأة أنه ومنذ ثلاثة أشهر، اعتقل رجال وشباب الحي من قبل قوات التدخل السريع، وأنه على الرغم من المراجعات اليومية للوحدات العسكرية القريبة من المنطقة، إلا أن الجميع أنكروا معرفتهم بالقوات التي نفذت عمليات الاعتقال!
جميع الأمهات أكدن أنهن لا يعرفن التهمة التي بموجبها تم اعتقال أبنائهن وأزواجهن، وتساءلن: أين أُخذوا؟ فاذا كانت القوات الأمنية المتواجدة في بغداد لا تعرف جهة الاعتقال، فمن الذي نفذ الاعتقالات التي شملت أكثر من 70 رجلاً؟! كانت أمنيات غالبية هؤلاء النسوة مؤلمة، وكن يرددن: " قولوا لنا حتى لو قُتلوا في المعتقلات أخبرونا، فنحن لا نعرف أين نذهب!".
- والأم العراقية تحلم أن يكون جسدها الرقيق الضعيف خيمة تحمي أبناءها من سيل حمم الطائرات والمدافع التي تنهال على منازل المدنيين بحجة مقاتلة تنظيم "داعش". والإحصاءات اليومية تشهد أن غالبية القتلى والجرحى هم من النساء والأطفال؛ في الفلوجة ومناطق متفرقة من صلاح الدين ومناطق حزام بغداد.
- أكثر من مليون أرملة تحلم غالبيتهن بتوفير لقمة العيش الكريمة لأبنائهن اليتامى، حيث يتواجد في بلاد الرافدين اليوم أكثر من خمسة ملايين يتيم، في ظل استمرار العمليات العسكرية التي تنخر بالجسد العراقي!
وقبل الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ذكرت وزيرة الدولة لشؤون المرأة في العراق، بيان نوري، أن "النساء تأثرن بشدة من الهجمات المسلحة في البلاد، وأن أوضاع النساء النفسية والإنسانية صعبة للغاية". 
أحلام وأحلام بعيدة المنال، مع أن غالبيتها جزء من الحقوق الطبيعية للإنسان في بقية بلدان العالم. هذه هي حال الأمهات في العراق اليوم. فكان الله في عون الأم العراقية الصابرة، وكان الله في عوننا نحن الذين حرمنا حتى من زيارة قبور أمهاتنا بسبب التشريد والغربة.
هي آهات وآلام حرّكتها الذكرى في زمن ضاعت فيه الكثير من موازين الصدق والحنان والوفاء!

*كاتب عراقي