الصلح والمصالحة والإصلاح، كلها مفردات تقود لنفس المعنى، وهو نبذ الشر والضغينة، وإحلال الخير والمحبة محلها، والصلح قد يكون من اجل المصالح العليا للبلد، أو من اجل مكاسب دنيوية تختلف قيمتها من شخص لآخر.
والصلح خير، وهو لا يأتي إلا بالخير والبركة والحياة والدفء والحنان، بين أبناء المجتمع وبه تخمد شرارة الكره والأحقاد وروح الثار، وهذه كلها من مقومات الحياة الاجتماعية الهانئة.
والحقيقة انه لا يمكن دراسة موضوع المصالحة، في أي مجتمع من المجتمعات، بعيدا عن دراسة علم الاجتماع الإنساني، وعلم الاجتماع يدرس السلوك الاجتماعي بفحص المجموعات والمؤسسات الاجتماعية التي يشكلها البشر، بالإضافة إلى السياسة والدين والتجمعات المختلفة وتنظيمات العمل.
والمجتمع كما يقول علماء علم الاجتماع الإنساني جماعات من البشر تعيش على قطعة محددة من الأرض لفترة طويلة من الزمن تسمح بإقامة علاقات مستمرة ومستقرة مع تحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي.
وهذا الكلام المنطقي العلمي الذي ذكرته يكون في المجتمعات الطبيعية لا المجتمعات التي اختلت فيها الموازين، كما هو الحال في المجتمع العراقي بعد عام 2003؛ وذلك لان من يدعون إلى المصالحة اليوم يقفون على مسافات مختلفة من أسباب الخلافات بين العراقيين.
وفي ظل هذه الضبابية في الواقع العراقي، نسمع بين فترة وأخرى أصوات تنادي بالمصالحة، ولكل طرف غايته من وراء هذه المصالحة، وفي هذا السياق أعلن وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية العراقية عامر الخزاعي يوم 28/4/2011، أن منظمة المؤتمر الإسلامي تسعى إلى عقد مؤتمر في العاصمة بغداد بهدف تعزيز مشروع المصالحة الوطنية، وأن وفد المنظمة برئاسة الأمين العام المساعد للمنظمة السفير عطا منان أبدى دعمه لمشروع المصالحة الوطنية في العراق والخطوات التي قطعتها الحكومة في إطار هذا المشروع، وأن الزيارة -التي قام بها نهاية الشهر الماضي- تهدف إلى مراجعة مقررات وثيقة مكة.
وبالعودة للتاريخ القريب بخصوص المصالحة العراقية نجد أن القوى العراقية المشاركة في العملية السياسية والمناهضة للاحتلال وعمليته السياسية قد اجتمعوا في عامي 2005 و2006 في القاهرة في مؤتمري المصالحة العراقية تحت رعاية الجامعة العربية، وبعد نقاش دام يومين أو أكثر توصل الطرفان إلى مقررات كان من الممكن لو التزم بها الطرف الرسمي أن تكون أساسا صالحا لمصالحة وطنية، وكان من الممكن أن تنقل العراق إلى وضع آخر، أو تصحح المسار إلى ما هو الأصلح والأفضل للعراق وشعبه.
وكان من بين المقررات المهمة للمؤتمرين أن يكون الدستور الحالي ونقاطه الخلافية موضع مراجعة ونقاش عام ومسؤول من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية أرضًا وشعبًا، وإدانة كل أحكام التكفير والردة لأي مكون من الشعب العراقي ودعوة الحكومة والقيادات السياسية والدينية إلى إطلاق عملية مكثفة للقضاء على الاحتقان الطائفي، وإعادة النظر في إجراءات وقرارات وآليات «هيئة اجتثاث البعث» بما يضمن محاكمة ومحاسبة المسؤولين وذلك وفقًا للقانون، ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم في حق العراقيين وتفعيل دور القضاء وجعله المرجعية الوحيدة في التعامل مع الإرهابيين وإيقاف الاعتقالات الكيدية والمداهمات من أي جهة إلا بموجب أمر قضائي، ودعوة الدولة إلى توفير الأمن وحل الميليشيات وإنهاء المظاهر المسلحة غير القانونية بأشكالها المختلفة والإسراع في بناء القوات المسلحة العراقية والقوات الأمنية على أسس وطنية ومهنية وفق جدول زمني محدد يتزامن معه خروج القوات الأجنبية من العراق وتحقيق السيادة الكاملة له.
ولا ادري كيف يمكن بقاء أية إشكالية لو تم تنفيذ اغلب نقاط هذا الاتفاق؟!.
عموماً، المصالحة هي رحمة وعدل وتطبيق للقانون فهل وجدت هذه المفاهيم سبيلها إلى المجتمع العراقي في ظل الحكومات المتعاقبة على حكم بغداد؟.
وهل المصالحة هي دعاية إعلامية يراد منها تلميع صورة هذه الشخصية أو تلك، أم أنها روح ينبغي أن تسري في العراق الكليم؟!.
مما لا شك فيه إننا نتمنى أن يعيش العراق بسلم وسلام، وما من عراقي وعربي ومسلم إلا ويطمح ويتمنى تحقيق هذه الأمنية إلا أن الواقع المرير الذي يخيم على البلاد لا يبشر بخير، ولا يعكس رغبة حقيقية في إيجاد الأرضية المناسبة للمصالحة، وهذا يعني أن المشكلة العراقية ستبقى قائمة طالما لم تتحقق مصالحة حقيقة تكون الأرضية الصلبة لإعادة العراق إلى القيام بدوره الإقليمي والدولي؟!.