جنود إيرانيون من الحرس الثوري في مسيرة بذكرى الحرب العراقية ـ الإيرانية في العاصمة طهران (أ.ف.ب)
القاهرة: عبد الستار حتيتة
تثير معلومات عن قيادي غامض في الحرس الثوري الإيراني يدعي «سيد حسيني» مزيدا من المخاوف من سياسات طهران بالمنطقة. عمل «حسيني» البالغ من العمر نحو 57 عاما انطلاقا من القاهرة لعدة سنوات، وزار اليمن والسودان وليبيا وسيناء..وتواصل مع إسرائيل، وفقا لإفادات من مصادر أمنية من مصر وليبيا.
وتفتح تفاصيل جديدة عن قصة الرجل الذي جرى التعامل معه في البداية كـ«جاسوس في عباءة دبلوماسي»، شهية بعض القادة الساهرين على ضفاف النيل للتساؤل عما إذا كانت إيران فارسية أم شيعية أم بين هذا وذاك.
«حسيني» رجل خمري البشرة بشعر فاحم ولحية خشنة، يبدو خير مثال لحالة الارتباك هذه. وبينما تبثُّ شاشات التلفزيون الفوضى العارمة التي تمر بها المنطقة العربية، يجري فتح ملفات الإيرانيين الذين كانوا مثارا للشبهات في السنوات الأخيرة. يقول ضابط مصري إن بلاده رصدت نشاطا عابرا للحدود للحرس الثوري الإيراني يقوده «حسيني». بعد أن قام المصريون بطرده في صيف 2011 اكتشف مراقبون أمنيون أن المنطقة تعج بأكثر من عشرين «حسيني» آخرين يعملون بدأب على نشر الفوضى، من العراق لليمن لليبيا، وحتى سيناء.
في عوامة ترسو على الضفة الأخرى من شاطئ ماسبيرو في القاهرة، يتابع عدد من الدبلوماسيين، في سهرة الخميس، الحروب المشتعلة في بلدان عربية. يتعجب أحدهم من أن إيران أصبحت قاسما مشتركا في معظمها. حتى الماضي القريب كان بعض القادة ينظر لإيران كدولة نصيرة لقضايا العرب في مواجهة إسرائيل.
اليوم الأمر يبدو مختلفا بالنظر إلى ما يتكشف من نشاط إيراني محموم يتماس مع تداعيات ما يعرف بـ«الربيع العربي». كان «حسيني» نفسه، بصفته قائدا في الحرس الثوري الإيراني، ضالعا في مثل هذه الأمور. استمر من جاءوا من بعده في ممارسة نفس السياسات «لكن بنهم أكبر وحرص شديد.. لدرجة أنك لن ترى إلا آثارهم»، وفقا للمصادر.
اليوم.. وبينما تتسرب معلومات جديدة عن زيارات هذا الرجل المريبة لسيناء، واتصالاته السرية التي استمرت حتى بعد إبعاده عن مصر، أصبح في الإمكان الاستماع لنظريات تذهب إلى القول بأن الأهداف الإيرانية تلتقي مع أهداف إسرائيل في تفتيت الدول العربية وتدمير قدرات الجيوش التي يمكن أن تتسبب في قلق لطهران أو تل أبيب في المستقبل.. «انظر لوضع العراق.. طائفية مدمرة. انظر لسوريا. لم تعد هناك دولة».
مثل هذا الحديث لم يكن مطروحا بكل هذا الوضوح من قبل. تسربت معلومات جديدة عن «حسيني» على نطاق ضيق، لكنها أصبحت محل اهتمام في بعض الأوساط المصرية الرفيعة على خلفيات عدة، منها عملية «عاصفة الحزم» ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ومنها القلاقل الأمنية في سيناء وليبيا والتغلغل في العراق وسوريا.
يقول أحد القادة الأمنيين إن المخطط الذي يهدف لاقتطاع جزء من الأرض المصرية لصالح إقامة وطن للفلسطينيين في سيناء، تقف وراءه إسرائيل وأميركا وإيران وحركة حماس، وأنه جرى التقاط الخيط الخاص بنشاط «حسيني» أثناء زياراته المتكررة لمناطق حساسة منها سيناء.
مع هذا لم يجرِ التأكد من أهمية الرجل، وأنه «ليس مجرد جاسوس»، إلا حينما انتقل فجأة إلى لبنان في عام 2010، وقيامه باتصالات مع حاخامات من أصول إيرانية لتسهيل وصول الرئيس أحمدي نجاد لأقرب نقطة من الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
حطَّ «حسيني» أولا في دمشق ضمن خلية عمل يقودها العسكري الإيراني، قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري. ثم انتقل الفريق للبنان في ضيافة حسن نصر الله زعيم حزب الله، ومن هناك انتقل مع موكب نجاد تحت حراسة من حزب الله والحرس الثوري إلى جنوب لبنان.
يتميز «حسيني» بالبساطة والبشاشة. هو شخصية ودودة يقابلك مثل أخ بابتسامة عريضة وكلمات عربية لكن بمخارج حروف متأثرة باللغة الفارسية. عمل بالقرب من«سليماني» قبل انتقاله للقاهرة. تولى الإشراف على تجنيد عملاء فاعلين من مصر ودول مجاورة، إلى جانب متابعته لبعض الشؤون الأمنية الخاصة بإيران في المنطقة.
كان أول ظهور له بالقاهرة في فترة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2005. «جاء في البداية كمن يريد الاكتفاء بقراءة المشهد.. لكن تحركاته اتسعت. كان ينفذ خطة، وبدأ بعد أشهر في السفر لبورسودان وسيناء، وهما منطقتان ضعيفتان أمنيا وينشط فيهما متطرفون ومهربون وتجار أسلحة منذ سنوات».
وفقا لمصادر عملت بالقرب من «حسيني» فإنه يتخذ من «سليماني» مثالا له في الصرامة والتعصب الفارسي والإخلاص للمرشد علي خامنئي. يذكر ذلك عادة في جلساته الخاصة.. «أحيانا يتحدث بفخر عن تنفيذه لعدة سنوات خطة نشر شعارات في أوساط شبان شيعة بالعراق واليمن ولبنان، تدعو لقتال إسرائيل». يرد على المختلفين معه ممن يؤمنون بالقومية العربية أو الفكر اليساري: «كلنا شركاء على مبدأ واحد؛ محاربة الصهيونية».
يقول مصدر أمني كان ضمن حلقة تراقب تحركات «حسيني» بالمنطقة إنه كان يقدم لكل فئة ما تطمح إليه. يستضيف أحد الإعلاميين في مطعم، ويتحدث معه عن رغبة إيران في تأسيس دار نشر وصحيفة ناطقة باللغة العربية من القاهرة. إذا استضاف رجل أعمال فتح معه إمكانية تقديم تسهيلات لاستيراد ما يشاء من إيران.. فستق، سجاد، معدات صناعية. وهكذا.. «ثم يختفي لنكتشف أنه يقيم في فندق في مدينة أسوان (جنوب) ويلتقي بشخصيات من ليبيا واليمن والسودان».
تأسس فيلق القدس المتهم بتنفيذ عمليات إرهابية في دول عربية منها العراق وسوريا، بعد الهزائم التي تعرض لها الجيش الإيراني في حرب الخليج الأولى مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. هذا الفيلق هو وحدة «قوات خاصة» للحرس الثوري، مسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإيرانية. وأشرف على تدريب شيعة من دول عربية منها اليمن، تحت شعار محاربة قوى الاستكبار المقصود بها أميركا وإسرائيل.
مع تزايد التدخل الإيراني في المنطقة العربية أصبح العديد من المراقبين يعيدون النظر في سياسات طهران العابرة للحدود. يراقب العميد عادل العمدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية بالقاهرة، هذه التطورات، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن ما يظهر على السطح من الخطاب الشيعي الإيراني «هو استغلال للبسطاء، مثل تلك المقولات التي يرفعها الحوثيون في اليمن كالموت لأميركا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود».
ويضيف أن «أهداف إيران تتلاقى مع مصالح أميركا وإسرائيل، بينما هؤلاء الشبان العرب البسطاء في اليمن وغير اليمن يتناولون هذا الكلام دون دراية بما يدور في الخفاء.. اليوم أصبح لدينا يقين أن إيران تنشر العملاء وتعمل بشكل سافر أكثر من أي وقت مضى».
كان لـ«حسيني» مساعدون يتحركون في المنطقة بجوازات سفر أوروبية ومن أميركا اللاتينية. جرى منع بعض من هؤلاء من المرور من مطار عمان الدولي حين حاولوا دخول الأردن في أعوام 2009 و2010 و2013، وفقا لإفادات من مصادر أمنية.يكشف ضابط ليبي كان يعمل في مخابرات معمر القذافي أن «حسيني كان مرصودا في مصر وفي ليبيا.. كنا نعلم أن له علاقات واسعة مع متطرفين في شرق ليبيا وفي سيناء وشرق السودان. كان يزور مناطق في اليمن أيضا».
ويضيف أن أحد مساعديه التقى مع شيخ يدعى «فرج» وهو مصري من أصول ليبية.أصبح فيما بعد نائبا في البرلمان في عهد حكم الإخوان، ورغم أن هذا الشيخ «سُنِّي متشدد»، فإنه كان يطالب، مثل الإخوان، بفتح أبواب مصر للإيرانيين.
رفض هذا النائب، عبر وسيط، الإدلاء لـ«الشرق الأوسط» بأي تعليق حول ما تردد عن لقاءاته السابقة مع أجانب وعرب قرب الحدود المصرية الليبية في بداية شهر فبراير (شباط) 2011، بينهم فرنسي من أصل إيراني وخليجي وأميركي.
تقول تفاصيل تخص هذه الواقعة إن هذا الخليط من الشخصيات أسهم في ترتيب نقل حاويات إلى داخل ليبيا، كانت قادمة من آسيا عبر إيران، وجرى إنزالها في ميناء دمياط على البحر المتوسط، لحساب مكتب للاستيراد والتصدير يديره في مدينة دمياط مصري يدعى «شعيب». و«جرى استخدم المكتب كغطاء لنقل حاويات تحمل أجهزة اتصالات متقدمة ومناظير للرؤية الليلية ومئات الألوف من أعلام الثورة الليبية قبل انطلاقها بعدة أيام».
استغلَّ هؤلاء الفوضى بمصر في ذلك الوقت. جرى نقل الحاويات عبر شاحنات من دمياط إلى مخازن رجل يدعى «عمر» قرب حدود ليبيا. كانت الشخصيات الأجنبية بمن فيهم الفرنسي والأميركي يتعاملون مع الشيخ «فرج» قبل أن يصبح نائبا في البرلمان، باعتباره الوالي المقبل لـ«ولاية مطروح الإسلامية». يقول أحد رجال الدين في محافظة مطروح إن الخطة كانت تسعى لتقسيم مصر وليبيا إلى ولايات تحت قيادة الإخوان بعد توليهم حكم البلاد.
يكشف مصدر أمني مصري أن طريقة التعامل مع «حسيني» كانت تتضمن رسالة من القاهرة لطهران بأن التلاعب في المنطقة غير مسموح به. جرى أولا القبض على الرجل حين كان يترجل بعيدا عن سيارته في شمال القاهرة. يقول: «كان يقيم بمصر تحت صفة دبلوماسي.. الأمن كان يعلم أن معه حصانة الدبلوماسي ولا يجوز القبض عليه هكذا». ماذا حدث؟ يجيب: «أخذه الضباط من الشارع ووضعوه قيد الاحتجاز.. وبعد ذلك قالوا هل هو دبلوماسي حقا؟ لم نكن نعلم بذلك». ومنذ ذلك الوقت تقرر طرده كشخص غير مرغوب فيه.
يضع أحد السفراء علامات استفهام حول الطريقة المثلى للتعامل مع إيران. لم يمض زمن طويل بعد على تلك المقترحات التي كانت تخرج من بعض مسؤولي جامعة الدول العربية عن ضرورة التحالف العربي مع إيران. حسنا. يتذكر هذا السفير الذي يعمل بالجامعة طِيب النوايا في السنوات الماضية. ويقول اليوم: «إيران تتعامل مع العرب بأكثر من وجه».
يشير البعض إلى أن محاولات الرئيسين السابقين، حسني مبارك، ثم محمد مرسي، للتقارب مع إيران باءت كلها بالفشل. ويتبنى تقرير أمني اطلعت «الشرق الأوسط» على جانب منه معارضة إقامة علاقة مع حكام هذه الدولة «لأن كلا منهم يُظهر عكس ما يُبطن.. يثيرون القلاقل».
يقول أحد القادة الأمنيين إن «سليماني» لديه اليوم عدد كبير من المساعدين المنتشرين في غالبية الدول العربية. ويضيف: «يوجد العشرات مثل حسيني. بعد طرده، استبدله به سليماني آخرين يعملون على مدار الساعة».
اسم «حسيني» اختفى تماما من القاهرة منذ مايو (أيار) 2011، لكن أسماء جديدة ظهرت في أكثر من موضع وتعمل بنفس الطريقة القديمة. تقديم الهدايا البسيطة من الزعفران والفستق، مع وعود بتحقيق الطموحات التي تبدأ من تأسيس دور النشر وتسهيل الصفقات التجارية حتى قلب أنظمة الحكم.
وفقا لمعلومات من مصادر استخباراتية، خلف «حسيني» في متابعة النشاط الإيراني في بورسودان رجل يدعى «نابخت» أو «ناكبخت». أشرف في عامي 2013 و2014 على عملية إنزال شحنات أسلحة من سفن إيرانية في الميناء. يعتقد أن هذه الأسلحة جرى نقلها فيما بعد في مراكب صغيرة إلى الشواطئ اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون.
يوجد اسم آخر يدعى «نوري» خلف «حسيني» أيضا في مواصلة المراقبة للوضع داخل ليبيا، لكن انطلاقا من داخل الأراضي الليبية هذه المرة، وليس من حدود مصر الغربية كما كان يفعل مساعدو «الدبلوماسي الجاسوس».
يعمل «نوري» حاليا تحت حماية مجموعة مذهبية في الجبل الغربي لطرابلس الغرب تعتنق المذهب الإباضي، وتقول المعلومات إن نشاط «نوري» بدأ أولا في المنطقة الشرقية من ليبيا خلال عامي 2012 و2013، وقام بضخ أموال إيرانية ضخمة لشراء الأسلحة من اللصوص الذين سرقوها من مخازن القذافي، ثم جرى نقلها إلى مصر والسودان، عبر الطرق البرية وكانت وجهتها للمتطرفين في اليمن وسيناء وغزة.
يتحدث أحد القيادات الأمنية الليبية السابقة عن نشاط «نوري» ويقول إن الإيرانيين كانوا يحققون مكاسب في كل مرحلة من مراحل ما يعرف بثورات الربيع العربي. أسهم رجال «سليماني» في نشر الفوضى، رغم أن الرئيس مبارك كان قد وقَّع اتفاقا مع طهران وقتذاك بتسيير رحلات طيران بين البلدين لأول مرة منذ ثلاثة عقود في 2010، لكن الموضوع لم يتم.. هذا فيما يتعلق بمصر.
أما بالنسبة لليبيا فكانت توجد صداقة قديمة بين معمر القذافي وإيران تعود لسنوات الدعم الليبي للإمام الراحل، الخميني، مرشد الثورة الإيرانية.. «كان القذافي ينفق عليه منذ بداية نشاطه السياسي في باريس، إلى أن دخل طهران عام 1979.. حتى هذا التاريخ لم يشفع لنا. ساهموا في تخريب بلادنا. أخيرا اتجهوا لليمن، رغم مبادرات الإخوة في دول الخليج لإصلاح الأمور بين اليمنيين».
إذن رصدت تقارير أمنية مصرية نشاط الحرس الثوري الإيراني بمصر على خلفية قضية «حسيني». عدد من هذه التقارير جرى تضمينه في المحاكم المصرية أثناء مداولات لقضايا تخص علاقة بعض قادة الإخوان بحزب الله وحركة حماس ومشروع استقطاع جزء من سيناء لصالح وطن للفلسطينيين.
يوجد حظر قضائي للنشر في تفاصيل هذا الموضوع. تقول معلومات أخرى إن عناصر إيرانية ومن حزب الله الموالي لإيران أسهمت مع حركة حماس في اقتحام السجون بمصر لإطلاق قادة الإخوان وقادة من حزب الله وحماس كانوا في سجون مبارك.
توقيف «حسيني» جرى أثناء تولي المجلس العسكري بمصر إدارة البلاد، وذلك عقب تخلي مبارك عن السلطة. قبلها، يقول أحد المصادر الأمنية: «لم يكن لدى الأجهزة ما يكفي من معلومات تفصيلية، على ما يبدو، بشأن نشاط الحرس الثوري.. لهذا، وبعد أن لمح المجلس العسكري إلى أنه حان الوقت لإعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، تكشفت سريعا الألاعيب الإيرانية داخل مصر وفي دول الجوار أيضا».
رغم استقبال مرسي لنظيره الإيراني نجاد في مصر في 2013 فإن تطور العلاقات، من وجهة نظر الأجهزة الأمنية المختصة، كان محكوما بالفشل، وهو ما حدث بالفعل.
تكشف تفاصيل جديدة عن نشاط «حسيني» عن أن إيران لها علاقات مريبة بما يعرف بالأفغان العرب.. هؤلاء سُنَّة من مصر واليمن وليبيا وتونس وغيرها، لكن إيران كانت حريصة على وضعهم تحت مناظيرها الخاصة حين لم يكن أمامهم أي مأوى آخر. يكشف أحد القادة الإسلاميين المنشقين، عن أن طهران بدأت في فتح الدروب أمام الأفغان العرب للهروب إليها مع دخول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لأفغانستان في 2001.
وتعامل هذا الرجل مع «حسيني» حين كان في ذروة نشاطه في مصر. كان«الدبلوماسي الجاسوس» لديه معلومات تفصيلية عن الأفغان العرب الموجودين في منطقة سكنية خاصة تقع شرق طهران. وذكر وقتها أنه.. «آن الأوان لكي يعودوا ويؤسسوا نظاما إسلاميا مثلما فعلت إيران».
يقول في مقابلة مع «الشرق الأوسط» بشأن ما علمه من «حسيني» إن إيران «آوت المئات منهم، بأُسَرهِم.. منحتهم مساكن في شرق البلاد ورواتب شهرية منذ ذلك الوقت حتى بداية انتفاضات الربيع العربي». يشير هذا القيادي المنشق (وهو باحث وله كتب تدرس في عدة جامعات عربية» إلى أنه، وبتتبع الأسماء التي رجعت من إيران أثناء «الربيع العربي»، بدا أن كثيرا من هؤلاء أصبحوا اليوم قادة ميليشيات يحاربون أبناء جلدتهم ويحولون بلادهم إلى دول فاشلة. يوضح مسؤول أمني أن الأمر لا يتعلق بنشر التشيع، بل بنشر الفوضى في العالم العربي، مثلا.. «عملية خلق (داعش) ثم محاربتها. هنا تلتقي مصالح إسرائيل وأميركا مع إيران».
تقرير أعده المركز المصري للبحوث والدراسات الأمنية، يلفت الانتباه إلى أن ظهور «داعش» وصراعاتها مع فصائل أخرى وتبنيها عقيدة قتال العدو القريب يجعلها تصب في مصلحة النظامين الإيراني والسوري. يرأس هذا المركز اللواء عبد الحميد خيرت، النائب السابق لرئيس جهاز الأمن الوطني (المخابرات الداخلية) بمصر. يقول إنه، لهذا السبب «سوف تتجه حروب الدول العربية ضد الإرهاب لأن تصبح رويدا رويدا في قلب عقيدة النظام العربي»، وهو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعدد من قادة الدول العربية أثناء انعقاد قمة شرم الشيخ الشهر الماضي.
حين تطرق الحديث في العوامة النيلية عن تنظيم داعش ودخول ميليشيات إيرانية إلى تكريت وغيرها من المدن العراقية، بدأت تحليلات عدد من الدبلوماسيين والأساتذة والخبراء تأخذ منحى جديدا.
هل إيران زرعت «داعش» عن طريق عملائها بالمنطقة، لتكون ذريعة لبسط نفوذها بالتعاون مع الغرب على العراق وسوريا.. هل غذت إيران تنظيم القاعدة في اليمن و«داعش» في العراق لتضع مثل هذه البلدان بين خيارين.. الإرهاب و«القاعدة»، أو الهيمنة الإيرانية بالميليشيات والدعم الذي يشرف عليه قادة مثل سليماني، وحسيني، ونابخت، ونوري، وغيرهم.
الدكتور فتحي المراغي المتخصص في الشؤون الإيرانية، وهو أستاذ بجامعة عين شمس بالقاهرة، يتعجب من حرص قادة إيرانيين على التواصل مع المتطرفين السنة، ثم إعلان الحرب عليهم.. هو تقريبا يرى الأمر من نفس الزاوية التي أصبحت تتكشف هنا..
يقول: «تنظيم داعش فكرة غريبة. هذا التنظيم يركز على هدم الآثار التي تعبر عن التاريخ العراقي.. هذا شيء غريب. أعتقد أن إيران وراء تقوية هذا التنظيم بتكوينه الغامض.. تقوم بتقويته من جانب، ثم تحاربه من الجانب الآخر حتى تجد المبرر للتدخل بشكل أقوى في العراق أو غيره».
الدكتور المراغي يضيف أن إيران تروج لمقولة إن «داعش» تعمل ضد جميع المصالح الغربية، وحين تحاربها تجد مباركة من الغرب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالتالي فإن القضية ليست قضية دين أو مذهب شيعي أو سني، وإنما حقيقة الأمر أن إيران تعمل من أجل مصالحها العليا، التي تتعارض مع المصالح العربية لكنها تتلاقى في بعض النواحي مع المصالح الغربية والإسرائيلية.
تقرير اللواء خيرت يذهب إلى أن القضية المركزية لتنظيمات المتطرفين «ليست القضية الفلسطينية أو إسرائيل، وليست قضية تقدم العالم العربي أو نهضته، وإنما إعادته إلى الماضي».
يذكر أحد الشخصيات المهمة التي كانت مقربة من القذافي أن الرجل الذي قتل في فوضى الربيع العربي، حاول بعد الدعم الذي قدمته ليبيا للخميني أن يصل معه لحلول وسط بشأن الخلافات حول اسم «الخليج العربي» الذي تطلق عليه إيران اسم «الخليج الفارسي».
قال له القذافي: «لماذا لا نعطه اسما يتماشى مع الثورة الإيرانية ولا يغضب إخواننا العرب.. فلنسمه (الخليج الإسلامي)». لكن الخميني رفض بشدة. ومنذ ذلك الوقت أصبح القذافي يتشكك في النوايا الإيرانية لكنه ظل يبعد هذه الشكوك حتى مقتله.
في إحدى زياراته لإيران اصطحب «حسيني» معه أحد النشطاء المصريين. يقول هذا الناشط لـ«الشرق الأوسط»: حين تهبط في مطار الإمام الخميني في طهران، ستجد على يدك اليمني، وأنت تخرج من صالة الوصول، لافتة موضوعة على ما يبدو خصيصا لاستفزاز أي عربي يمر من هنا. لافتة عليها سهم يشير إلى اتجاه الغرب ومكتوب عليها «الخليج الفارسي».
يعيش هذا الناشط المصري في الوقت الحالي خارج البلاد خوفا من مساءلته في قضية «حسيني». تحدث مشترطا عدم تعريفه. يقول إن «الخليج يقع على بعد نحو 600كيلومتر من المطار، فما جدوى هذه الإشارة هنا؟ سألت سيد حسيني، فابتسم ولم يجب».
ويضيف: تخيل أنك حين تخرج من مطار القاهرة تجد لافتة مكتوبا عليها إن مدينة رشيد تقع على بعد 200 كيلومتر. لا يمكن أن توضع إشارة كهذه أمام المطار الدولي إلا إذا كان الأمر يتعلق بإرسال رسالة معينة للقادمين إلى مصر بشأن مدينة رشيد.
«إيران دولة قومية فارسية أم دولة دينية شيعية.. أم الاثنتان معا؟». تجد هذا السؤال في العديد من الجلسات المصرية والعربية بالقاهرة، في خضم النقاش عن «عاصفة الحزم» التي ينفذها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد الانقلابيين الحوثيين. يتطرق الحديث إلى مجمل السياسات الإيرانية القديمة والجديدة في المنطقة.
يقول أحد السفراء ممن عمل في السابق في دولة السلفادور، وهو يرى على الشاشة شعارات الحوثيين «الموت لأميركا وإسرائيل»، إن «هؤلاء المساكين لا يعلمون أن إيران التي تلقي بهم في المحرقة تتعامل مع أميركا ومع إسرائيل أيضا.. كثير من اليهود الإيرانيين في أوروبا وأميركا اللاتينية يتوسطون عادة بين طهران وتل أبيب، وبينهم أصدقاء لقيادات إيرانية كبيرة».
من بين المعلومات الجديدة التي تتعلق بـ«حسيني» و«نوري» ضلوعهما مع أطراف من أصول إيرانية ولبنانية من حزب الله، في اتصالات مع إسرائيل جرت عدة مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، على عكس ما هو معروف من تلاسن وتهديدات بين البلدين. هذه الاتصالات تختلف عما جرى الكشف عنه في السابق. تخص إحدى الوقائع ترتيبات زيارة نجاد للحدود اللبنانية مع إسرائيل. هنا ظهر اسم «حسيني» من جديد.
أدى النشاط المكثف لهذا الرجل خلال زيارة نجاد للبنان إلى انتباه السلطات المصرية لمكانته على ما يبدو، لأن مقر إقامته الدائم حينها كان مكتبا تستأجره الحكومة الإيرانية في ضاحية الدقي بالقاهرة، وجرت عملية تتبع لتحركاته منذ ذلك الوقت في عدة مناطق ملتهبة أخرى بالمنطقة العربية.