بعد أن أعلنت طهران أن خزينتها قد أفلست وانها باتت تقتات على صندوق احتياطها النقدي من العملة الصعبة .. ومن اجل الإنفاق على مصروفات تدخلاتها العسكرية .. فرضت طهرات عملتها ( التومان ) داخل العراق كعملة ورقية محلية ينهشها التضخم ولا قيمة لها في التعامل الخارجي، حتى باتت المعاملات التجارية والبنكية ومعظم الإيرانيين الذين يدخلون العراق متى شاءوا ويقيمون أينما يريدون، ويشترون ويبيعون بعملتهم التي لا تساوي شيئاً أمام البضائع التي يشتريها العراق بالدولار.
وأزاء هذه الحالة الغريبة من التعاملات التي ليس لها رقيب ولا حسيب، والتي تتسبب في تدمير الأقتصاد العراقي المدمر أصلاً .. هنالك بعض الملاحظات المهمة التي يتوجب الأطلاع عليها منها ما هو اقتصادي بحت ومنها ما هو سياسي محض :
1- العملات المحلية لا قيمة لها في خارج حدودها الأقليمية .. بمعنى أن هذه العملات لا تدخل في خانة العملات العالمية أو ما يسمى بسلة العملات الصعبة التي يتم في ضوئها احتساب أقيام البضائع والخدمات وتسوية الديون الخارجية.. وتأتي العملة الإيرانية ( التومان ) في هذا الباب .. والتساؤل هنا لماذا الترويج لهذه العملة المحلية في العراق وكأنها عملة صعبة عند شراء البضائع التي استوردها العراق بالعملة الصعبة ؟ ولماذا لا يقبل الإيرانيون العملة العراقية في إيران في البيع والشراء والتداول؟ ، لماذا ( التومان ) الإيراني مقبول في العراق، و ( الدينار ) العراقي غير مقبول في إيران ؟ لماذا يدفع العراق عند استيراده البضائع الإيرانية بالدولار، وعند إستيراد إيران البضائع العراقية يدفع الإيرانيون قيمتها بعملتهم المحلية ( التومان ) .؟!
2- عمد الإيرانيون منذ أن بدأ العد العكسي لأقتصادهم صوب التدهور، وخاصة في إثر العقوبات الدولية الناجمة عن سوء سلوك إيران الخارجي المشين، وكذلك الإنخفاض الحاد في اسعار النفط العالمية، والمصروفات الإيرانية غير العادية على التسليح والتسلح ونفقات إدامة عملياتها التدخلية المسلحة في الشؤون الداخلية للدول العربية ومنها العراق .. على إصدار عملتهم الورقية ( التومان ) بدون غطاء معدني .. إذ أن إصدار العملات الورقية للتداول يجب أن يقابل هذا الأصدار ما قيمته ذهباً ، وهذا في الحالات الأعتيادية التي تتعامل بها الدول، ولكن في الحالات الإستثنائية تبعاً للظروف غير الطبيعية التي تمر بها الدولة، تعمل الأجهزة الأقتصادية على تلافي الحالة بضخ كميات هائلة من النقد الورقي المحلي بدون أن يقابله غطاء له قيمة حقيقية ( قاعدة الذهب ) .. ومن هذا يبرز التضخم الذي من شأنه أن يهبط الأسعار ويجعل الناتج المحلي دون أسعاره في السوق .. ومن هذه الزاوية فأن إتجاه نظام طهران الراهن هو امتصاص أكبر كمية ممكنة من الدولارات من العراق عن طريق تصدير بضائع دون المستوى المطلوب وفاسدة ومنتهية الصلاحية وبأثمان عالية وبالعملة الصعبة .. والمعنى في ذلك أيضاً .. أن الإيرانيين يضخون عملتهم الورقية المحلية ( التومان ) بدون قيمة إلى العراق .. والعراقيون يضخون العملة الصعبة ( الدولار ) بقيمته العالية إلى إيران .!!
3- العراق وخزينة العراق وأرصدته ونفطه وخزين آباره .. كلها في خدمة إيران وإقتصادها الذي يعاني التضخم والتدهور والإنهيار .. اقتصاد العراق في خدمة مخططات طهران في التمدد الخارجي وبما يسهل على كلابها من العسكريين والسياسيين النباح كلما شعروا بأنهم قريبين من حافة السقوط.
ومن هذا يتضح ان أحد أبعاد الهيمنة الفارسية على العراق :
أولاً- الأستفادة القصوى من ثروات العراق النفطية والنقدية على وجه الخصوص، تحت غطاء التعاملات والمساعدات الأقتصادية التي تطغي عليها الدوافع الطائفية والتوجيهات المركزية العليا التي يرسلها ( ولي الفقيه ) والأوامر التي تبعثها ( قيادة الحرس الإيراني ) .. الأولى: نحو مرجعية العراق الفارسية علي السيستاني.. والثانية : صوب قيادات المليشيات الطائفية ( العصائب والسلام وبدر وجيش المهدي ) التي تنضوي تحت قيادة ( الحشد الطائفي ) ومسؤوله الأساس أبو مهدي المهندس ( جمال جعفر إبراهيم ) الأرهابي المطلوب على مستوى الأنتربول ومحاكم الكويت وواشنطن وباريس .. والآن تسكت عنه أمريكا وهو مطلوب بتفجير سفارتها في الكويت، وتسكت عنه فرنسا للسبب ذاته.. وهو جزء أساس في حكومة حيدر العبادي عضو حزب الدعوة الفارسي ، حتى بات العراق الممول المالي الوحيد لإيران في شكل يغطي فعاليات تجهيزاتها الخارجية ( أسلحة، ورواتب، ورواتب تقاعد لعوائل القتلى، ونفقات تدريب، وإمدادات لوجستية كبيرة تتسع لعدد من الساحات ( العراق وسوريا ولبنان واليمن والخلايا الفارسية النائمة ) .. الأمر الذي يعني أن إيران وهي تنفذ إستراتيجيتها حيال البلدان العربية تجعل من أراضي العراق منطلقاً مليشياوياً صوب أهدافها وعلى مستوى الحشد الطائفي.
ثانياً- إستنزاف موارد العراق مادياً وبشرياً في إطار ما يسمى الحرب على الأرهاب- وهو سلوك إيراني أمريكي مشترك ولغايات مشتركة- وهذا الأستنزاف ( مادياً وبشرياً ) يجعل العراق فقيراً معدماً يستجدي القروض والمساعدات الخارجية .. كما يجعله ضعيفاً خائر القوى وغير قادر على حماية نفسه والمطالبة حتى بحقوقه الوطنية المشروعة . ( فنزيف المال ونزيف الدم ) هما ركنان أساسيان لدورة الصراع القائمة في العراق التي تريدها أمريكا وإيران أن لا تنتهي ولآخر مدى.!!
ثالثاً- إن نزيف المال ( الثروة ) ، ونزيف الدم ( البشر ) ، ليست له معايير معينة ومحددة وثابتة على أساس الطائفة والعرق .. فالأيرانيون والأمريكيون يدفعون كل مكونات الشعب العراقي إلى المحرقة .. قاسم سليماني وحكومة المليشيات تحشد مكون معين بالضد من مكون آخر، وفي الوقت ذاته تبيد الوطنيين من هذا المكون الذين يعترضون على نهج السياسة الطائفية حتى الذين يطالبون بتحسين أوضاعهم البائسة في جنوب العراق .. فيما يستمر التحريض والحشد الطائفي أشواطه الطائفية الدموية في هذه المحرقة ليشمل العراق كله.
رابعاً- الخزينة العراقية قد أفلست وأعلن عن إفلاسها .. وصندوق النقد الأحتياطي قد بدأ عده العكسي بالهبوط .. والأنظار تتجه صوب الأقتراض من البنك الدولي على وفق شروط تكبل الشعب العراقي عقود من السنين .. وحُمْى شراء الأسلحة بالآجل ما تزال تتحكم بسلطة الحكم الفارسي في بغداد .. وشراء الأسلحة الثقيلة ( طائرات دبابات ناقلات جنود همرات وغيرها من مستلزمات القوات المسلحة ) بمبيعات النفط وبالشروط التي يفرضها صانع السلاح وبأسعار هي دون مستوى أسعار النفط في الأسواق العالمية .. ونتيجة هذه الأسلحة هو الحطام حال دخولها ميادين الحرب .. فإلى أين تريد إيران بالعراق وشعبه، وإلى أين تريد أمريكا بالعراق وشعبه الذي يؤمن ويدرك بأن لا خيار أمامه سوى المقاومة من أجل الحرية والأستقلال الوطني؟
خامساً- إن الفساد المالي المستشري في العراق مقصود ومخطط له .. فحين يصبح أعضاء الحكومة ( رئاسة ومجلس وزراء ومجلس نواب وجيش وشرطة وأمن ومليشيات تتقاضى رواتب من خزينة الدولة عن طريق حصص أحزابها في العملية السياسية ) ، فاسدون لحد نخاع العظم وبدون إستثناء .. تسهل عمليات النهب الإيرانية بتمويل حزب الله الفارسي في الجنوب اللبناني.. وتسهل عمليات النهب بتصفير خزينة البنك المركزي بدعوى المحافظة عليها من اللصوص وشحنها إلى طهران بطائرة خاصة حين بات نظام دمشق على حافة السقوط .. ويسهل الصمت على ألآف الملفات التي أعلن عن جرائم الفساد المالي وبالمليارات، ولم يعلن عن نتائج التحقيقات الرسمية .. لأن التحقيقات هي مسلسل يجر جرائم الأختلاس صعوداً من مدير العام إلى رأس الدولة، ونزولاً في مسلسل آخر من رأس الدولة إلى موظف الأستعلامات في دائرة حكومية حساسة .. فالشعب العراقي يتساءل إين نتائج التحقيقات المعلن عنها منذ عام 2003 ولحد الآن ؟ أين هي دعاوى فتح الأعتمادات وتحويل العملات وشرائها من البنك المركز بمليارات الدولارات دون ضمانات ولا سندات أو إيصالات.؟ فيما يبدأ صراخ السلطة الفارسية في بغداد يعلو ويستنجد ويلوذ بالتقشف وقطع رواتب الموظفين وتخفيضها بدلاً من محاسبة اللصوص واستحصال المنهوب من الأموال إلى خزينة الدولة.!!
هل ترون .. العراق وموارد العراق باتت مرتعاً للصوص الفرس الحاكمين، وضيعة أمامية يستنزف المجوس خيراتها من أجل تنفيذ أطماعهم العدوانية في المنطقة .. الأمر الذي يقتضي من كل العرب بدون استئناء أن يدعمو ثورة العراق ومقاومتها لطرد الفرس ونغولهم من العراق ولمنع تمددهم من العراق إلى أي قطر عربي .. لقد قلناها من قبل، بأن العراق بات معسكراً كبيراً يصدر الأرهاب إلى الدول العربية على أساس منهج تصدير الثورة الفارسية .. بمعنى تصدير الأرهاب الفارسي مدعوم بمخطط أمريكي لا يقبل الجدال أبداً.!!