القوات المسلحة بكافة صنوفها البرية والجوية والبحرية في أيّ دولة، ليست ملكاً لأيّ نظام، أو حزب، أو تنظيم، أو جهة، أو حتى لأيّ دكتاتور، وإنّما هي الدرع الحصين للوطن، الذي يقف بوجه الطامعين والحاقدين، وعليه فهذه المؤسسات هي كنز وطني، ينبغي الحفاظ عليه ورعايته.
القرارات التي اتّخذت بعد عام 2003، من قبل الحاكم المدني الأمريكي على العراق (بول بريمر) كانت قرارات دقيقة ومخطط لها مسبقاً، ولا يمكن اعتبارها قرارات آنية، وليدة ساعتها، حيث أنّ بريمر وفور تسلّمه لمنصبه كحاكم مدني للعراق، عمل على حلّ الجيش العراقي بكافة صنوفه البرية والجوية والبحرية.
وهنا لا بد من إعادة التأكيد على المسؤولية الأخلاقية والقانونية الواقعة على الإدارة الأمريكية السابقة، التي خططت لقرار حل القوات المسلحة العراقية، ونفّذته، في وقت أثبتت فيه التجارب أنّ هذه الخطوة كانت من أكبر الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها إدارة بوش في العراق، وهذا الكلام أُكّد في 25/12/2011، على لسان مدير إدارة معهد السلام في الولايات المتحدة الأمريكية (بول هيوز) في تصريح صحفي، حيث قال أنّ «الإدارة الأمريكية أخطأت خطأً فادحاَ عندما وافقت الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر على قرار حل الجيش العراقي».
القوات العراقية بكافة صنوفها، وبالذات القوات الجوية العملاقة، صارت تمثّل خطراً حقيقياً على أعداء الأمة، فلهذا حرصت الصهيونية العالمية، والإدارة الامريكية السابقة على تدميرها بكل ما تملك من قوة.
ورغم الخراب الذي لحق بصنوف القوات العراقية استمر العراقيون بالاحتفال في أيام تأسيس هذه القوات، ومن ذلك احتفالهم في الثاني والعشرين من الشهر الجاري بالذكرى الحادية والثمانين لتأسيس القوة الجوية العراقية الباسلة، التي انطلقت في عام 1931.
وبهذه المناسبة حاولت الرجوع للموقع الرسمي لوزارة الدفاع العراقية الحالية للحصول على معلومات أكثر عن القوة الجوية، إلاّ أنني تفاجأت بأنّ الوزارة ذكرت القوة الجوية، وبقية الأصناف المهمة ضمن الوحدات العاملة فيها دون أيّ تفاصيل، وفي ذات الموقع نجد أنّ الوزارة وضعت باباً خاصاً للعقود والمناقصات، وكأن الداخل لهذا الموقع يتصوّر نفسه في إحدى البورصات العالمية، وليس في موقع لوزارة الدفاع، وهذا الأمر طبيعي جداً في ظل الفساد المالي والإداري المنتشر والمستشري في وزارة الدفاع الحالية.
ومنذ الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي لأرض الرافدين بدأت عمليات التصفية الجسدية لطياري القوة الجوية على يد عملاء الموساد وإيران، وكانت الحصيلة عشرات الشهداء من المغدورين الذين لا ذنب لهم سوى وقوفهم المشرّف لصدّ الأطماع الصفراء القادمة من وراء الحدود.
وفي نهاية عام 2010 نقل موقع محطة أي.بي.سي الأمريكية فقرة مختصرة من برقية سرّبها موقع ويكيليكس قال فيها دبلوماسيون أميركيون: إنّ إيران تشنّ حملة «هادئة وفعّالة للثأر من طياري العراق الذين قصفوا أراضيها» خلال الحرب بين البلدين في ثمانينيات القرن الماضي، وتمكّنت من قتل (182) منهم، وإنّ حملة الاغتيالات دفعت (800) منهم إلى الفرار خارج البلاد.
وفي ظل هذا التآمر خسر العراق كوكبة عريقة من رجاله ذوي الخبرات المتراكمة، التي طالما كانت سداً منيعاً بوجه غربان الشر التي حاولت انتهاك الحرمات والأعراض.
أسراب القوة الجوية العراقية وصلت قبل الاحتلال إلى أكثر من ألف طائرة مقاتلة، وكانت بمثابة الدرع الفولاذي لسماء وحدود العراق، واليوم الأجواء الوطنية مشرعة الأبواب لكل من هبّ ودبّ، وهذا جزء من المخطط التخريبي التي أُريد من ورائه إخراج العراق من معادلة القوى في المنطقة، والشرق الأوسط.
إنّ بناء القوة الجوية العراقية لا يمكن أن يكون عبر إعادة فتح باب التطوع إلى كلية القوة الجوية، ولا بشراء طائرات جديدة من الولايات المتحدة، أو غيرها، وإنّما يكون، بعد التغيير الشامل، بالتأكيد على روح المواطنة وحب الوطن، والابتعاد عن الروح الطائفية البغيضة، والتركيز على التدريب المستمر.
رجال القوة الجوية العراقية السابقة هم ثروة وطنية، ضاعت، مع الأسف الشديد، بين الاغتيال والتهجير والتهديد، وبالتالي فقد العراق نخبة مميزة من أبنائه؛ بسبب الحقد الدفين الذي ملأ صدور وعقول الأمريكان وعملائهم من الذين لا يحبون العراق والعراقيين.
تحية لصقور العراق أينما كانوا في أرجاء العالم، والرحمة للشهداء الأبرار الذين رووا بدمائهم الزكية أرض العراق، وسنبقى متمسكون بأمل العودة للبلاد، وخدمة عراقنا حتى الرمق الأخير.