نائب لرئيس الجمهورية لشؤون الاعدامات في العراق!
د. مثنى عبدالله
صحيفة القدس العربي اللندنية
عليلٌ وُلد مجلس الرئاسة في العراق. علته لم تأت وفق قاعدة (من عاش مع القوم صار منهم)، بل لانه أحد الفيروسات التي يتشّكل منها هذا الكيان اللاحي المسمى السلطة العراقية التي تتربع على شيء هلامي غير معروف لحد الان، فالعراق لازال بلاهوية حقيقية حتى اليوم، بعد أن ترك وراء ظهره المفهوم الحقيقي للدولة بأرادة خارجية.
نشأ المجلس بقوائم ثلاث كي لا يمثل هوية وطنية، بل طائفية وقومية وفقا لمقتضيات المصلحة الامريكية، التي أرادت التأسيس السياسي لوضع جديد في العراق، قائم على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، كي يكون مفتاحا لاثارة الاقليات القومية والدينية الاخرى في المنطقة، للمطالبة بنفس الوضع السياسي العراقي، وبالتالي التمهيد لتفتيت الدول وفقا لنظرية بريجنسكي المستشار السابق للامن القومي الامريكي، الداعية الى أقامة دويلات طائفية وقومية في الشرق الاوسط.
على مدى أكثر من خمس سنوات هي عمر مجلس الرئاسة، لم يلمس المواطن في العراق أي دور أيجابي له، لم نسمع بان هذا التجمع قد أهتم بشأن حياتي، أو تقدم بمقترح يزيل عن كاهل الانسان في هذا البلد ولو جزءا صغيرا من مأساته، على الرغم من أن زعماءه الثلاثة كانوا يتقاضون رواتب ومخصصات ومنافع أجتماعية وحصانات لهم ولعوائلهم، جعلتهم يصنفون في خانة الاثرياء في العراق، وهي كانت مقطوعة من لقمة مواطنيهم الذين كانوا ينزفون دما ليل نهار، ويتسولون اللقمة ويبحثون عنها حتى في أماكن القمامة، كان كبيرهم يلقي بظله الخفيف على الاجتماعات الرسمية للمجلس، فيقوم بتلطيف جو الاجتماع بالقاء أخر الطرف التي وصلته والتي برع في حفظها كما أكد هو ذلك لاحد الصحفيين، ويبدو أن فعله هذا كان من منطلق أنه يتبوأ منصب نائب رئيس منظمة الاشتراكية الدولية، وأن أشاعة السعادة في المجتمع هي أحد الاهداف الاشتراكية. كانت أكبر أنجازاته هو الوقوف بذلة جنبا الى جنب مع أحد أركان جريمة أحتلال العراق، توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الاسبق، في أحدى كنائس لندن لتأبين الجنود البريطانيين الذين قتلوا في العراق، متبرعا بأقامة نصب تذكاري لهم، بينما يعلم جيدا كم من مواطنيه قتلوا وكم من العراقيات أغتصبن على أيدي جيوش الغزاة.
وقد أثبت طوال فترة وجوده رئيسا للعراق أنه يمثل قوميته قبل أن يمثل الوطن، لذلك كان يؤكد على قدسية محافظة كركوك، بأعتبارها جزءا من الوطن القومي الكردي غير آبه بما تثيره تلك التصريحات من أنقسام طائفي وعرقي في تلك المحافظة، ثم يوعز لمكتبه بأصدار تبرير على أن ماقاله الرئيس أنما يمثل رأيه بأعتباره رئيس حزب كردي وليس بأعتباره رئيس جمهورية العراق، وكأّن التصريحات الرئاسية تتبع الزي الذي يرتديه الرئيس.
أما نائبي الرئيس عادل عبدالمهدي وطارق الهاشمي، فيبدو أن الاول قد قاده الفشل المتواصل في أنتزاع المنصب الاول في السلطة التنفيذية من المالكي الى الزهد في الحياة، فأستفتى المرجعية عن رواتبه ومخصصاته التي يتسلمها بأعتباره نائب الرئيس، وعندما جاءت الفتوى بأنها ليست حلال على أعتبار أن هذا المنصب شرفي لاخدمي، فقد أثر الرجل الاستقالة من المنصب خاصة وأن الكرسي الذي كان يشغله ذهب الى نفس من يدعون تمثيل (الطائفة). لكننا لم نعرف بعد هل أن فتوى المرجعية هذه ستكون باثر رجعي، أي أن على النائب أعادة جميع الرواتب والمخصصات التي أستلمها طوال وجوده في العملية السياسية الى الخزينة (المثقوبة) أم لا؟ وهل أن جميع السياسيين من الذين يقلدون المرجعية أو الذين لايقلدونها، لكنهم كانوا حريصين على زيارتها والاستماع الى نصائحها لتشملهم الفتوى؟ على أعتبار أن الجميع لم يقدم طوال السنوات الثماني الماضية أية خدمة مقابل ما كان يتقاضاه من منافع مادية ومعنوية. أما النائب الثاني الذي أدعى تمثيل الطائفة الاخرى من خلال الكرسي فقط، والذي اختص بزيارات دول معينة وفق القسمة الطائفية التي أطلقها الساسة العراقيون على دول الجوار، وبعد أن سجن نفسه في خانة العجز عن تقديم أي شيء يذكر لانقاذ الوطن والمواطن من محنته، فيبدو أنه اختص فقط بأعفاء العراقيين المقيمين في الاردن من الغرامات التأخيرية التي تتراكم عليهم، بسبب مخالفتهم قانون الاقامة الاردني، فبات مكتبه يزف الينا بين فترة واخرى تلك المكرمة كلما زار عمان والتقى المسؤولين فيها، وكأنه الهم الوحيد الذي عاناه العراقييون خلال السنوات الثمان المنصرمة، بينما صم أذنيه عن نداء زميله عادل عبدالمهدي بالحذو حذوه وتقديم أستقالته من مجلس الرئاسة.
أن مجلسا رئاسيا مشلولا ذا صبغة طائفية وقومية، ثبت عجزه عن تقديم أي حلول ناجعة لمشاكل الوطن والنهوض به، سوف لن يتفاجأ العراقيون عندما يضم بين صفوفه نائبا أخر، أنشق عن حزب الدعوة بعد أن أتهمه رفاقه بأنه مرتبط بالقيادات السياسية الايرانية، وسبق للمرجعيات الدينية أن وصفته عندما كان وزيرا للتربية والتعليم، بانه أشاع الطائفية في المناهج الدراسية للطلاب وفي الوسط التعليمي، كما أشارت لجنة النزاهة الى أن وزارته تعاني من فساد مالي وأداري أكبر بكثير من بقية الوزارات. أنه النائب الجديد في مجلس الرئاسة خضير الخزاعي، الذي دخل المجلس بالرغم من أعتراضات الجميع عليه حتى من يشاركونه الصفة المذهبية، وسيكون أختصاصه (حامل أختام الملك) بعدما أعتذر الطالباني عن التوقيع على قرارات الاعدام وفوض صلاحيته اليه مؤخرا. فأذا كانت مشكلة العراق تتمحور في بنيته السياسية التي عجزت عن أيجاد الحلول لمشاكله الممتدة في مسيرة سنوات ثمانية أو أكثر، فان المشكلة ستتعمق في ظل هذه القيادات السياسية التي تتبوأ مناصب يفترض أن تكون قادرة على تشخيص الخلل البنيوي والتعامل معه بمنطق علمي،
وبالتالي الخروج بنتائج منظوماتية قادرة على التغيير الايجابي في الدولة والمجتمع. فالقيادات المفروضة بنفس طائفي أو قومي أو فئوي، والمحكومة بعلاقات غير واضحة المعالم والجذور نتيجة ارتباطها بضامنين دوليين وأقليميين، والخالية الذهن من أي رؤية حقيقية لتنمية الانسان والمجتمع، ومن أي تصور حداثي للسلطة والنظام السياسي، سوف تبقي البلد ومؤسساته مشتتة القرار ومعدومة الاستراتيجية، وسوف تبقى حجر عثرة في وجه أي عملية تغيير حقيقية، تهدف الى أنتشال الوضع الراهن من مأساته الكبرى، بل انها سوف تبقى مصرة على التواجد في مؤسسات شكلية، تشكل عبئا على كاهل الدولة والمواطن من النواحي المادية والمعنوية، بحجة الحفاظ على التوازن الذي شكلته العملية السياسية الفاشلة، وهذا هو حال مجلس الرئاسة العراقي في دورته الثانية.
ان التشكل النهائي للمؤسسات العراقية لم يتشكل بعد حتى اللحظة، لان الدولة العراقية لم تتشكل هي الاخرى، كما أن العلاقة التي يفترض أن تربط السياسيين بعامة الشعب لازالت بعيدة عن واقعها المنطقي والصحي، لان الاجماع الوطني لازال مفقودا في العراق، في ظل هذا التبجح السافر بالتمثيل التقزيمي للاطياف العراقية الاجتماعية. كما أن هذا العواء الطائفي المتصاعد بين الحين والاخر في كل مشكلة سياسية وأجتماعية وثقافية وامنية تضرب المجتمع، أنما تترسخ بفعلها جذور المشكلة الحياتية اليومية، لكن كل ذلك لن يثني الحتمية التاريخية عن السير بمواجهة السياسيين القابعين خلف مناصب شكلية، لان الحدث القادم سيكون مساو في المقدار ومعاكس في الاتجاه، للزلزال الذي أحدثه المحتل في العراق، وعلى من يدعي الوطنية من شركاء العملية السياسية التخلي عن منصبه وبذلك سوف يُسقط فعله بقية قطع الدومينو، فيسّرع من حركة التاريخ القادمة.
' باحث سياسي عراقي