بسم الله الرحمن الرحيم
( الأضرار الظاهرة على أفعال الأقوام الثائرة )
الحمد لله مُعزّ من أطاعه واتقاه، ومذلّ من خالف أمره وعصاه، قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره حمدًا وشكرًا يملآن أرضه وسماه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ولكل من نصره ووالاه.
قال تعالى ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ آل عمران:102
قال تعالى ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ النساء:1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 70-71 الأحزاب
تعيش أمة الإسلام أزمة تاريخية مريرة وتمر عليها فتنة عظيمة يقتل أبنائها بعضهم البعض وتنجر إلى هاوية لايعلمها إلا الله ، تصدر علماء السوء ومن أشربت قلوبهم بحب الفتن ومرضت بعشق المناصب والكراسي وأفسدت بالتعلق بالشعارات والأبهة والفخفخة والتظاهر والغرور ، فأحل الحرام – وحرم الحلال – وصرح بجواز الممنوع – ومنع المسموح به والمباح ، ومنع الخير وأمر بالقطيعة وقتل النفس والعقوق وشوه هؤلاء معالم الحق على الناس وأوقفوهم على مفارق طرق لايعرفون نهايتها ، أسقطوا كل خير ، وأظهروا كل شر ، أنكروا كل وجود وجعلوا الوجود والحق عندهم ففتنوا أنفسهم وفتنوا كثيرا من خلق الله تعالى قال تعالى (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
فأصبح الشر ظاهرا والخير مطموسا والمسلم يهجر كتاب الله وسنة رسول الله ولا يثق بالعلماء المصلحين ، يركز النظر بعين الرحمة والعطف إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة ، قال تعالى {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }يس30
وهذه الأضرار يمكن حصرها في ثلاثة محاور .
المحور الأول : الحقوق الشرعية
المحور الثاني : الحقوق الاجتماعية
المحور الثالث : الحقوق الاقتصادية
1. الحقوق الشرعية وتقسم إلى قسمين :
الأول : حق الله تعالى
الثاني : حقوق العباد فيما بينهم .
أ. حق الله تعالى معناه – تطبيق شرعه وتنفيذ أمره واجتناب نهيه وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم ومما يلاحظ أن هذه الثورات لها وجهان
الأول : أنها تدعي التحرر من الظلم وتريد الخلاص والنجاة إلى الاستقرار والعدل وهم بين كلابين – عين تنظر إلى الغرب دون استحياء وأخرى تنظر باستحياء إلى شريعة الله تعالى التي فيها العدل والأمن والاستقرار ، وهذا لايستطيعون إعلانه والجهر به ولو كانوا فعلا يريدون هذا لانقادوا إلى مادعاهم إليه رئيس اليمن حيث قال تعالوا نحتكم إلى كتاب الله فلو كانوا متيقنين أنهم على الصواب لجلسوا لدعوته فإن كانوا صادقين شملهم قول الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم47
الثاني : تتظاهر للناس أنها تريد تحكيم شرع الله تعالى لكن بمفهومها الخاص فإن عارض الشرع أهدافها ومبادئها وغاياتها ضرب عرض الحائط وهذا ماهو معلوم من خلال مايرفعونه من الشعارات وما يصرحون به عن طريق الإعلام .
وهذا منزلق خطير ففيه الاستهزاء والتجاوز والاستخفاف بشرع الله تعالى واستخدام النصوص للوصول إلى الغايات التي تسمو إليها وهذا حال أهل البدع والأهواء والفرق الضالة والمبتدعة ، بل هو خلق اليهود والنصارى ..
ومثل هذه الأعمال الدخيلة على المسلمين والتي من أعمال الفرس والرومان والإحداث في الدين والخروج على أئمة المسلمين بذرائع وهمية وحزبية لا تصدر الا ممن فتن بقلبه فتغيرت عنده المعالم وانحرفت عنده المبادئ فأصبح لا يفرق بين مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين مراد نفسه ، وشهوته فوقع بأمرين خطيرين :
الأول : التحاكم لغير الشرع قال تعالى {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50
الثاني : استباحة وتحليل مالم يأذن به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21
الثالث : موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين ومبغضي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم قال تعالى {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }المائدة81
والشواهد كثيرة والتأريخ لن يرحم خائنا ولا عميلا ولا من سمح لنفسه أن ينتصر بالكفار ويأتي بهم إلى ديار المسلمين – مثل ماحصل في العراق – ويحصل الآن في ليبيا – واليمن – وما يدعوا إليه دعاة الفتنة التي تعلقت قلوبهم بالغرب وهم يناشدون أمريكا – ودول مجلس الإرهاب والتدمير ( مجلس الأمن ) للتدخل بشؤون سوريا ويفرحون حين يستخف الكفار بدماء المسلمين ويستعينون بأموال وسلاح الغرب لقتل المسلمين لأجل لعاعة الدنيا وقذارتها – ليركبوا كرسي الحكم على حساب الشرع والدم والعرض .
2. حقوق العباد فيما بينهم
وفي هذا شواهد كثيرة منها صلة الرحم قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }محمد22
ومنها حق الدم والعرض والأخوة في الدين وضرورة حماية المسلم والحفاظ على راحته وسلامته وعقله وماله ودينه وعرضه وأن لا تنصر عليه كافرا ولا تكرهه ولا تغتابه ولا تنم عليه ولا تشمت به ولا تشمت به أعداء الله ولا تجعله نكاية للكافرين ولا تستخف بحقوقه {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }يوسف76
ومنها نشر العداوة والبغضاء وتحفيز المسلم لقتل أخيه المسلم وهذا مما يقع تحت قول الله تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93 ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )
والاختلاط الذي يحصل بين الرجال والنساء وما هو معلوم أن الاختلاط يجر إلى المصائب والبلوى وإحداث المعاصي ويكون مأوى لأهل الشر الذين يريدون أن يبثوا سمومهم ويرفعونها على ظهر المخلصين وأهل الصلاح وهذا مما حذر الله منه قال تعالى {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }الأنفال73
وفيه ترويع للمسلمين وإفزاع للمرضى والأطفال وهضم للحقوق وفقدان للأمن والاستقرار وإعطاء الرخص والذرائع لقطاع الطرق والمنحرفين وأهل الحرابة ..
البذاءة في القول والكذب والافتراء ألذي يقع على لسان الخصوم .
التشهير والتسميع والتسقيط والنبز المحرم واستخدام الألفاظ التي تسيء للشرع كشتم الحكام ولعنهم ولعن وطعن من يقول كلمة الحق ويدعوا الناس إلى نشر المحبة والمودة والتحاكم إلى شرع الله بالخيانة والعمالة وغيرها ..
3. الحقوق الاجتماعية والأسرية
أ . الحقوق الأسرية بين الأفراد والعوائل – والقبائل وجميع شرائح المجتمع قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
ب. الممتلكات – وبيوتات الناس – والمساجد التي جعلها الله سبحانه وتعالى لعبادته وذكره قال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن18
تعطيل كثير من الناس عن القيام بأداء العبادة كصلاة الجمعة والجماعة باعتبار أنهم اتخذوا المساجد لتنفيذ رغباتهم ولو كانوا صادقين مجدين لتركوا بيوت الله للعبادة ولتخذوا غيرها حتى تبقى المساجد معظمة ومحترمة في قلوب الناس والمسلم يريد أن يستلذ ساعة دخوله المسجد بالتقوى والفراغ من الدنيا والتقرب والتعلق بالله تعالى ..
نهب ثروات المسلمين وسرقة حقوقهم من الراحة والعيش الرغيد إلى الفزع والشح والفوضى وقلة الزاد ورب أن يحصل لغني فنا حياته بالجد والمثابرة أن تسرق أو تصادر أمواله فيصبح فقيرا يتكفف الناس أو يهجر من بيته ووطنه ليصبح عالة على بلد آخر يستجدي ويطلب المساعدة والعون ورب عفيفة شريفة أجبرتها الفتن إلى الوقوع في المحرمات ...
رفع الأصوات و والشعارات التي تدعوا إلى العداوة والفرقة وتهين المسلمين وهذا دخيل على المسلمين وقد نهى القرآن عنه قال تعالى {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }لقمان19
4. الحقوق الاقتصادية :
وفيها تعطيل التجارة وقطع أرزاق العباد الذين يعيشون ويسيرون أحوالهم من خلال التعامل في البيع والشراء وهذه الثورات أوقفت كثيرا من معاملات الناس فاضطر الكثير إلى غلق محلاتهم وأماكن عيشهم وهذا عامل للفقر والعوز وهو محرم لايجوز للمسلم أن يغلق منافذ الخير عن الأمة ويفتح عليها منافذ الشر.
مضاعفة الأسعار بسبب تعطل التجارة واستغلال تجار السوء واحتكار البضاعة ومضاعفة سعرها وهذا يضعف قوة الأمة وينشر الفقر بينها ..
هناك ثوابت شرعية – وثوابت اجتماعية – وثوابت عرفية – وثوابت لغوية.
الثوابت الشرعية: أهل السنة والجماعة يتعاملون مع الحوادث ضمن ضوابط المصلحة والمفسدة ويتوقفون على كل طارئ سواء كان في العبادات أو المعاملات ضمن ضوابط الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة الصالح ..
وثوابت أهل السنة هي أصولهم التي يتعبدون الله بها :
أولا: القرآن الكريم – الذي هو مصدر التشريع الأول .
ثانيا: السنة النبوية المطهرة التي هي المصدر الثاني .
ثالثا: الإجماع
رابعا : القياس الصحيح.
خامسا : قول الصحابي الذي لم يعارضه قول صحابي آخر.
وأما الثوابت الاجتماعية : فهناك عادات وتقاليد في المجتمع منها محمود ومنها مذموم – فالمحمود والمذموم يجب أن يعرض ويعمل به ضمن الثوابت الشرعية .
وهناك أمور لاتوجد لها قرائن شرعية ولها شواهد وثوابت عرفية يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( كل شيء لم يرد له حد في الشرع ولا في اللغة فالمرجع فيه إلى العرف )).
والثوابت العرفية التي يتعارف عليها القوم وتصبح مشهورة فيهم ولم يرد لها حد شرعي يرجع فيها إلى العرف ، النبي صلى الله عليه وسلم لما أتوا ليه بلحم أرنب ، فقال لو أكله قومي لأكلته ) .
أما الثوابت اللغوية فمعروفة عند أهل الاختصاص بل كل كلام العرب له عوامل يقوم عليها – كالفاعل – والمفعول – وغيره .
ومن هنا يتضح أن مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للأمور كانت ضمن المنهج الرباني الذي ارتضاه الله تعالى للأمة وأمره أن يقوم به وتبليغه للناس ..
ومن الثوابت الأصلية التي تعتبر خلقا عند العرب قبل الإسلام ، أنهم يعظمون ويحترمون ويحافظون على مقدساتهم وكانوا يعظمون ويهتمون بالبيت الحرام قبل الإسلام ولم يحدث أنهم اعتدوا على دار عبادة والمتمعن في قول عبد المطلب لما قدم جيش أبرهة ( للبيت رب يحميه) يظهر متى اهتمام واحترام العرب للمقدسات .
بل الكثير منهم اتخذ صنما يعبده ويتقرب إليه ولما جاء الإسلام ودعا الناس إلى عبادة الله تعالى وتحطيم هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، انتصر لصنمه جهلا وعنادا والرومان أيضا يحترمون المقدسات وأماكن العبادة ، وتعتبر المكان الآمن لكل من دخلها ، إلا عند المجوس ، فإنهم يتخذون دور العبادة والأماكن المقدسة لتنفيذ غاياتهم وتصفية حساباتهم لذلك أول بدعة ظهرت عند المسلمين في التجاوز على دور العبادة كانت من قبل الفرس حين اغتالوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد وكذلك خروجهم على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من المسجد واغتيالهم أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه في المسجد ..
هناك مأجورين ممن ينتسبوا لأهل السنة ، تدفع لهم أموال ، ويكلفون بواجبات منها دعوية وإعلامية للدفاع ظاهرا عن أهل السنة وحقوقهم ، يتكلمون بحماس وألم ، يؤدون أدوارا ولها جوانب منها :
أولا: إثارة الشيعة حتى يتمسكوا بمرجعياتهم ويتعصبوا لطائفتهم بإشارة أن أهل السنة يتحاملون عليهم ويظهرون لهم العداء ويجاهرونهم بالعداوة والوعيد فيثيرون في نفوسهم العصبية والطائفية وهذا ظاهر وواقع ومعلوم عند الصغير والكبير ..
ثانيا: إعطاء مسوغ لدخول المليشيات والعصابات وفسح المجال أمام الدول للتدخل بالشؤون الداخلية ، ومن خلال هذا المخطط الذي ينفذ من قبل مرتزقة أهل السنة ، يُسيطر على كل منافذ القوة لأهل السنة ، ويستنصر عليهم بالقوى الطامعة والدول الراغبة التي لها أطماع تاريخية ومذهبية وتسمى بالمناورة ..
وكذلك هناك مندفعون تأخذهم الحمية والحماس فيقومون بأعمال لايعرفون نتائجها ، توقع فيهم النكاية من القتل والتشريد والتدمير الاقتصادي والاجتماعي فتسهل عملية السيطرة عليهم وتعطي مسوغا للأعداد التدخل ، ونشر الظلم والفوضى ودعم القوي على الضعيف فيأكل المجتمع بعضه بعضا قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29
وقد يجرهم هذا الاندفاع غير المنضبط وفق ضوابط الشرع إلى الردة في الدين فيدفع بهم إلى موالاة أعداء الله واستنصارهم وطلب العون والنصرة والدعم على المسلمين المخالفين لهم واستباحة دمائهم وأموالهم وتدمير ممتلكاتهم جاء في الحديث قوله صلى الله عليه ( كل المسلم على حرام – دمه وماله وعرضه ).
أو قد تبعث هذه الأمور روح الحمية والحماس في قلوب الثائرين المندفعين فتجعلهم يحكمون عقولهم وآرائهم ويبنون أحكامهم على القيل والقال ونقل كلام الكذب وبث الإشاعات التي يرسلها الأعداء ، وتقديم ذلك على النصوص الشرعية .
ولعل هذه الأمور غير المنضبطة تدفع صاحبها إلى الاختلال في التوازن العقلي فيقوم بأعمال تؤدي إلى هلاكه وأقوال يحرف بها شريعة الله تعالى ويأتي بشواهد يجعلها في غير موضعها قال تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
ورب أن يسقط بأقوال أو أفعال يحرفها عن مواضعها بغير حق فتكون سببا لكفره وردته ، فينال سخط الله وغضبه بدل رحمته ورضاه وهذا مما يخشى منه قال تعالى {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }الكهف104
ومن المعلوم أن التحريف علامة لليهود كما اخبر الله تعالى ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ يحرفون كلام الله، كما أخبر الله عن طائفة من اليهود أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ فالكفرة وأهل الكتاب حرفوا الكتب المنزلة، فقدموا وأخروا وزادوا ونقصوا، فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، الله تعالى أنزل في التوراة الرجم، رجم الزاني المحصن، المحصن: الذي تزوج. فحرف اليهود ما أنزل الله من الرجم، وابتدعوا حكما من عند أنفسهم، فصار من زنى لا يرجمونه ولا يجلدونه، وإنما يسودون وجهه ويركبونه على دابة من جهة الخلف، ويطوفون به في الأسواق.
ولهذا لما جاء بعض اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلبون منه أن يحكم بينهم في رجل وامرأتين زنيا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما تجدون عندكم في التوراة؟ فقالوا: نجدهم يحممون. يعني: نسود وجوههم ، تطمس بالفحم ، فقال عبد الله بن سلام كذبتم، بل مكتوب في التوراة آية الرجم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ائتوا بالتوراة، فأتوا بالتوراة، فقرأ القارئ، فلما وصل إلى آية الرجم وضع يده عليها، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام -رضي الله عنه، كان من بني إسرائيل الذين من الله عليهم بالإسلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا آية الرجم تلوح .
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حكم فيهم بحكم التوراة، فأمر برجمهما لأنهما قد أحصنا، قال الراوي في الحديث: فرأيت الرجل يجري على المرأة يقيها بنفسه من الحجارة، فهو عند الموت يكون دونها حتى تكون الحجارة وقاية لها، نسأل الله السلامة والعافية، فهذا من تحريفهم، يحرفون الكلم عن مواضعه، حرفوا كتب الله لفظا ومعنى، فالواجب على المسلم أن يحذر صفات الكفر ويخاف على نفسه من الوقوع بنفس ما وقع به هؤلاء الجهلة الضالون .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
قدمها الشيخ مهدي الصميدعي
الجمعة 21 شعبان 1432 هجرية 22 تموز 2011