مركز دراسات الاستقلال
تقسيم العراق وتفجير المنطقة
سايكس بيكو ( إسرائيلي إيراني تركي ) لتقاسم تركة الرجل العربي المريض
الدكتور خالد المعيني
باحث في مركز دراسات الاستقلال
تكاد ملامح صورة الحراك السياسي في المنطقة العربية تتكامل على ضوء ربط مخرجات وسلوك الأطراف الإقليمية الرئيسية في المنطقة مع تصريحات وتحركات وكلاء هذه الأطراف من لاعبين محليين صغار سواء كانوا عراقيين أو عرب .
صاموئيل هانتجتون في كتابه صراع الحضارات الذي أصدره عام 1996 ونظر له بمقالة منذ عام 1993أسدل الستار على نمط الصراعات الأيديولوجية التي سادت حقبة الحرب الباردة في ظل حقبة ثنائية تحكم العالم وأسس فكريا لأنماط جديدة من الصراعات تقوم على خطوط تقسيم عرقية وطائفية , وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار رسالة هنري كيسنجر إلى الرئيس اوباما عام 2010 ونصيحته بعدم إهمال ملف العراق حيث ورد في فحوى رسالته:( إن تفجير المنطقة طائفيا يبدأ من بغداد في حين يبدأ تفجير المنطقة برمتها على أساس عنصري يبدأ من كركوك).
وفي نفس الوقت علينا أن لا ننسى قرار تقسيم العراق المصادق عليه من قبل الكونغرس عام 2007 الذي أقترحه وقدمه نائب الرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن, لاشك إن المستفيد النهائي(End user) والرئيسي من مسار تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية عنصرية متناحرة هو إسرائيل حيث سبق لرئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير أن صرحت عندما سالت عن مفهوم إسرائيل للسلام بأنه يعني بالنسبة لإسرائيل أن تحيط بها دويلات طوائف.
اليوم وبعد أن أزيح العراق كحجر زاوية وقطب الرحى في توازن المنطقة وتماسكها على يد القوى العظمى في العالم فقد أدى تخلخل الضغط الحاصل جراء ذلك إلى اندفاعات إقليمية ( إيرانية تركية )غير مسبوقة في المنطقة على ضوء غياب المشروع العربي وانخراط كثير من دويلات-المدن العربية في المشروع الأمريكي وتخاذل وتآمر دول أخرى, ولان أعداءنا يخططون لعشرات السنين قبل أن ينفذون في حين يعمل العرب بطريقة الفعل ورد الفعل وفي حين يتصرف أعداءنا بحكمة وعقلانية ويتصرف العرب بعاطفة ومزاجية, فان خارطة المنطقة تتجه إلى مزيد من التشرذم والتقسيم إلى دويلات طائفية وعنصرية سوف يدين بعضها بسبب هزالها وضعفها إلى ولاية الفقيه في إيران حيث تتصرف إيران كحامي لطائفة معينة من العرب في حين ستنجذب ما تبقى من دويلات إلى الحامي الأكبر للطائفة الثانية بقيادة السلطان اردوغان الذي أدى عدة مسرحيات ناجحة فيما يخص قضية فلسطين وغزة لاستدرار عطف السذج من العرب في حين لا تزال سفارة إسرائيل في اسطنبول ومعاهدة الدفاع الاستراتيجي المشترك معها سارية المفعول يعاونه في تنفيذ ذلك أحزاب الإسلام السياسي .
أما بالنسبة لإيران التي يصرخ رئيسها كل يوم بإزالة إسرائيل فهي كانت ولا تزال أشد فتكا بالمقاومة العراقية والوطنيين العراقيين الذين وصفهم بالفاسقين في حين أنهم يقاتلون أمريكا وإسرائيل في العراق وتسعى ايران بكل جهدها لتحسين شروط تفاوضها مع أمريكا على حساب وحدة العراق ومقابل إقرار أمريكي غربي لنفوذها الإقليمي والاعتراف بان يكون الخليج العربي ليس أكثر من بحيرة فارسية تحيط بها شعوب تدين بولاية الفقيه للمرشد الأعلى الإيراني.
إن تقسيم المنطقة في هذه المرحلة أشبه ما يكون بسايكس - بيكو جديد يخدم المصالح الإستراتيجية وطموحات كل من إيران وتركيا وإسرائيل على حد سواء وعلينا أن نفسر وفق هذه الخلفية كل ما يجري في منطقتنا حاليا من صفقات أو حتى ثورات, فما جرى في مصر وتونس لا علاقة له بما يجري حاليا في سوريا وليبيا واليمن أو في البحرين فعلينا دائما أن نبحث عن المستفيد النهائي.
في الختام لا يمكن لنا أن نفهم قيمة المقاومة في العراق والإصرار على حتمية استقلاله والحفاظ على وحدته وصيانة هويته العربية إلا على ضوء المعطيات أعلاه, فمعركة العرب والعروبة اليوم تجري كلها في العراق وهوية الإسلام الحقيقة لا يمكن لها أن تصان إلا في العراق, إن تفكيك وتفتيت وإزاحة دولة الاحتلال القائمة على المحاصصة الطائفية في العراق وإقامة دولة الاستقلال القائمة على المواطنة هي قضيتنا وأولويتنا في الحركة الوطنية العراقية وعلى ضوئها سيتحدد مستقبل ومصير العرب والمسلمين.
18 تموز 2011
