العراق بين جيلين: الماضي والحاضر
د. عمران الكبيسي
في العراق بين جيلين نقدم صورة لحياة العراقيين قبل الاحتلال وحياتهم بعده، وأين كانوا.. وأين أصبحوا.. وكيف ؟ ليعرف العالم الجريمة الإنسانية البشعة التي ارتكبتها أمريكا ورئيسها السابق بوش الابن بحق شعب آمن مطمئن، وإنها لم تسع لتحرير العراقيين بل أرادت إذلالهم، وإيقاف نهضتهم، وتدمير ما أنجزوا بجهودهم وثروتهم خلال عقود مضت حقدا وانتقاما!
بنى العراقيون قبل الاحتلال أكبر قاعدة علمية في الشرق الأوسط أنجبت العلماء المخترعين والمفكرين الموهوبين والمثقفين والأدباء المبدعين، ويعرف العالم ذلك، وهوما أغاض الحاقدين المعتدين، وقدم العراق أبان الاحتلال تضحيات كبيرة ليس في مجال التصفيات الجسدية لكبار الاختصاصيين من الأطباء وأساتذة الجامعات وعلماء الذرة والكيمياء والمهندسين والعسكريين وإنما في مجال تدهور بنيته التحتية اجتماعيا وثقافيا وعلميا، فبعد أن كان أول بلد في المنطقة استطاع بجدارة محو الأمية في عام 1977 بإعلان منظمة اليونسكو، يهدد اليوم بتنامي طبقة الأميين، وانحدار مستوى التعليم الأساسي والجامعي، فمنظمة اليونسكو تهدد برفع الاعتراف بالشهادات العراقية لشيوع ظاهرة تزوير الشهادات والوثائق وقد أحصت هيئة النزاهة عشرات الآلاف من الشهادات المزورة لمسئولين وضباط ومديرين عامين وقيادات حزبية تشغل مناصب قيادية في الدولة، وتحتفظ وزارة التعليم العالي بأربعين ألف شهادة مزورة لكبار المسئولين وعامة الناس وتتخوف الدولة من مقاضاتهم وأجل النظر بقضاياهم بتوصية رئاسة الوزراء، ويضرب المثل بسوق مريدي بمدينة الصدر في تزوير الشهادات الجامعية بمستويات عليا واختصاصات دقيقة، فضلا شهادات المعاهد الحوزات العلمية الإيرانية التي منحت لمن هب ودب من ملاليهم بلا حساب ناهيك عن سوق الحرامية للخردة حيث تفكك المسروقات وتباع قطع غيار، ولكن المكر السيئ سيحق بأهله، وسيكشفون ويفضحون ويلحق بهم العار والشنار.
وسجلت وزارة الصحة العراقية 114 حالة إيدز فقط قبل الاحتلال اكتشف أكثرها في الحدود والمطارات، وتشير السجلات اليوم بوجود 76ألف حالة بعد سبع سنوات من الاحتلال بفعل اختلاط المجندات الأمريكيات بالمعتقلين وحملهم على مواقعتهن قسرا، واغتصاب الجنود الأمريكيين للفتيات، وما رافق الاحتلال من الفلتان لغياب أجهزة الدولة والرقابة فانتشر الإيدز بانتشار البغاء، وكان النظام السابق ينحر من تمارس الدعارة وتسمسر لها في المنطقة التي تقطنها، ناهيك عن انتشار المخدرات بنسب مخيفة بين الشباب وفق تقارير وزارة الصحة ومركز مكافحة المخدرات والإدمان الكحولي، وكانت صحيفة العراقيين بيضاء خلوا من المخدرات تماما، وأسهمت الفاقة وقلت ذات اليد ومظاهر التفكك الأسري فتفشي الطلاق بنسبة ثلاث حالات من كل أربع حالات زواج، بشهادة وزارة العدل. لقد مارس المحتلون وحكوماتهم المتعاقبة تدميرا شاملا ومبرمجا، فنصف الشعب العراقي اليوم دون مستوى خط الفقر، و25% بمستوى الفقر والكفاف وفق تقارير وزارة حقوق الإنسان ووزارة التخطيط.
وعلى أرض العراق حاليا 550 تنظيما لكيانات سياسية مفتعلة أحصتها مفوضية الانتخابات و 11,400 منظمة مجتمع مدني مجازة وغير مجازة دونتها وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفي العراق 126 شركة أمنية تديرها أجهزة مخابرات أجنبية تعرفها وزارة الداخلية، و 43 ميليشيا مسلحة تابعة للأحزاب رصدتها لجنة دمج الميليشيات- وبلغ عدد الصحف المحلية 220 صحيفة غالبيتها ممولة من مخابرات أجنبية ونقابة الصحفيين أعلم، وابتلي العراق ب 45 قناة تلفزيونية 67 محطة راديو مسجلة لدى إدارة القمر الصناعي تروج الإشاعات والأقاويل المشبوهة كذبا وصدقا على مسمع هيئة الأعلام والترددات العراقية، وللعراقيين 4 شبكات اتصالات لاسلكية بقيمة12 مليار دولار لكل شبكة مملوكة لقادة الأحزاب، شركة كورك لمسعود البارزاني، وشركة آسيا سيل لجلال الطالباني، وشركة زين الكويتية لأحمد الجلبي وحزب الدعوة، وشركة أثير لعبد العزيز الحكيم، والعهدة على الراوي، وماذا يستطيع المرء أن يتحدث عن فساد ذمم كامل لهياكل الدولة الإدارية والمالية وفي جميع المفاصل الحكومة لدرجة أن رئاسة الوزراء والنواب وهيئة النزاهة ومنظمة الشفافية العالمية بعضهم يشكو من بعض، ويعاني البلد احتقانا طائفيا واثنيا تؤكده محاضر منظمة المؤتمر الإسلامي، وكان العراقيون قد تجاوز الطائفية وأوقد نار فتنتها الاحتلال، ومع ذلك نقول لا قنوط ولا يأس فمع رحيل المحتل سيعرف الشعب أعداءه والخونة ومن هم المخلصون وسيستبدل الأدنى بالذي هو خير.
وتنتشر في بغداد والمدن العراقية 11,400 مقر لأحزاب سلطوية، ومقرات جمعيات خيرية وشركات مقاولات وهمية غطاء لأعمال الأحزاب والمخربين،اغتصبوا أبنية الدولة أو اغتصبت من أصحابها الشرعيين بعد تهجيرهم أو تصفيتهم، فضلا عن تبدد ثروات العراق النفطية والمعدنية وأراضيه ببيع المعامل والمصانع والأراضي وفق قانون استثمار سيء السمعة أو تؤجر للمنتفعين من الأحزاب العميلة بعقود طويلة الأمد وهي ملك عام، إنها خطة جهنمية استعمارية خبيثة لإعادة الشعب العراقي إلى عصور التخلف تتحمل وزرها بالدرجة الأولى المحتل وحكوماته المتعاقبة وذيول الحرس الثوري الإيراني، ولكن الحساب وان طال مداه آت بإذن الله .