شقيق عاق وجار سوء . مخرزان أدميا قلب كل مواطن عراقي على مدى عقود من الزمن . لا الجار يصون متطلبات الجيرة , ويحفظ مبادى الاسلام التي يتغنى بها ليل نهار . ولا الشقيق تهز ضميره قيم الاخوة فيكف أذاه عن شقيقه الاكبر , الذي مازال مذبوحا من الوريد الى الوريد .
قيادة أيرانية أنتشت بثورتها في العام 1979 , فأنتفخت أوداجها حتى باتت صماء عمياء . لاترى الا العراق مسرحا لاظهار بطولتها , وطريقا لمشاريعها المشبوهة المغلفة بأوراق الكذب الملونة . فبات أحتلالهم له هو خط الشروع الوحيد لتحرير القدس كما كانوا يدعون . وأصبح ضمه الى الامبراطورية الفارسية الجديدة , هو الخطوة الاساسية لتأميم الحرم المكي في السعودية كما كانوا يزعمون . وبغية تحقيق كل ذلك حولوا سفارتهم في بغداد الى وكر لقيادة عمليات التخريب ضد الداخل العراقي , وجعلوا من المدارس التي كانت تابعة لهم في بغداد خطوط حجابات أمامية , يلقون منها القنابل على التظاهرات الطلابية , فيقتلون ويجرحون التلاميذ والمسؤولين في الدولة , بينما كانت مدفعيتهم بعيدة المدى تدك خانقين وزرباطية والمنذرية , وكافة الاقضية والنواحي والقرى العراقية الممتدة على طول الخط الحدودي البالغ 1485 كم , ثم أشعلوا فتيل حرب أستمرت ثماني سنوات عجاف , ولم يفيقوا من غيهم الا بعد أن تحطمت رؤوس قادتهم , فوافق كبيرهم على تجرع السم وأيقاف الحرب بعد أن وصل طرق الضربات العراقية الى مخدعه . لكن منهج الاذى والتخريب والتدمير ظل هو عماد سياستهم مع العراق , بالرغم من كل المحاولات العراقية الملحة للتطبيع وأصلاح ذات البين , ونقل العلاقات الى مستوى أخر بعيد عن العداء .
أما القيادة الكويتية فلقد قبلوا على أنفسهم ممارسة دور الافعى الانكلوأمريكية – الصهيونية , وبدأوا بأمتصاص الدم العراقي الذي لم يزل بعد نازفا من حرب الثماني سنوات , وتناسوا كيف وضع العراقيون أجساد شبابهم سدا منيعا في وجه العاصفة الايرانية كي لاتبتلع عرش ال صباح , بل كان اليوم الذي سمي ( يوم الكويت ) في تلك الحرب أحدى الصفحات المضيئة التي تم فيها دك أيران بمئات الصواريخ , ثأرا لحاكمهم الذي أعتدت عليه بعض الاذرع الايرانية , عندما تصدوا لموكبه في أحد شوارع الكويت محاولين قتله . وبرغم التنبيه والتوضيح والتذكير بكل قيم الاخوة والعروبة التي قام بها العراق , كي لاتنزلق الامور الى مهاوي أخرى تؤذي الجميع , لكنهم صموا اذانهم ولم يصحوا الا بعد أن أصبع ( عقال ) رؤوس كل مئة الف منهم بسعر دولار في شوارع الكويت في الثاني من أب 1990 , ليستعينوا بعدها بكل مرتزقة العالم بغية أعادتهم الى عروشهم الخائبة , باذلين مليارات الدولارات كي يشتروا جهد هذا وذاك , وصوت هذا القريب وذاك الغريب كي يقف معهم , بينما كان بأمكانهم أن يسهموا في عودة العافية الى العراق بجزء بسيط من تلك الاموال التي أنفقوها . ولم يكتفوا ويشفوا غليلهم بكل الذي جرى في منطقة المطلاع وغير المطلاع من مذبحة كبرى لجيش العراق , بل باتوا يلهثون ليل نهار كي يرشوا هذه الطرف وذاك من أجل أستمرار الحصار , وقتل أكثر ما يمكن من ألاطفال والشيوخ من خلال منع الغذاء والدواء عنهم , ثم حرصوا على أن تكون مشاركتهم في الصفحة الاخيرة من الحرب على العراق متميزة جدا , ففتحوا الحدود والاجواء والمياه الاقليمية كي تنداح منها جيوش الظلام وتسقط بغداد وينتهك العراق ونساء العراق , ويبكي الشيوخ قبل الاطفال , ويغتصب الرجال قبل النساء , وتصبح شوارع البصرة وبغداد والموصل مستنقعات لدماء الابرياء , بعد أن كانت أمكانهم المفضلة لقضاء عطلهم بين أخوتهم واحبتهم من العراقيين . فهل يعقل أن يدفع الحقد أخا الى أن يستقدم الغرباء كي ينتهكوا عرضه وأرضه , ويقتلوا أمه وأبيه ويهدم البيت الذي كان يأويه ؟
لقد قالوا أن الحرب العراقية الايرانية كانت حربا صدامية , وأن أحتلال الكويت مغامرة صدامية , وكي تتوقف الحروب والمغامرات المزعومة على دول الجوار , تم أحتلال العراق في التاسع من نيسان العام 2003 , وأغتيلت الشرعية السياسية والقانونية لنظامه السياسي المعترف به دوليا , وحلت محله قوى سياسية صنعتها طهران , ولملمتهم الكويت باموالها من شوارع لندن وغيرها من دول الغرب , ثم قدموهم الى الامريكان كأصدقاء وحلفاء يمكن الاعتماد عليهم في حكم العراق . أذن اليس من المنطق أن تنتقل العلاقة بين العراق وطهران الى مستوى نموذجي في المنطقة , وأن يجني العراقيون من جارهم كل خير , بعد أن رحل المسبب الرئيس للحرب والعداء وهو النظام السابق كما يقولون ؟ ثم اليس من البديهي أن تنتقل العلاقة بين العراق وشقيقته الكويت الى مستوى خلاق من التعاون والتكامل في كل شيء , وأن يغرف العراقيون من عطف الكويت وخيرها الكثير , بعد أن رحل نظام المغامرات عن حكم العراق كما كانوا يزعمون ؟ لكن المتتبع لما حدث بعد الاحتلال يجد وبوضوح تام هذه الصورة المأساوية . الكويت ترسل مخربيها لتدمير وحرق الوزارات والمؤسسات العراقية , وتلاحق الطائرات المدنية في كل دول العالم لحجزها , وتسطو على حسابات شركة الخطوط الجوية في البنوك العربية والعالمية , وتتعنت في أستيفاء التعويضات الظالمة , وتدفع للمأجورين كي يجعلوا من هذه المحافظة أو تلك أقليم , وتقتل وتعتقل الصيادين العراقيين وتقطع أرزاقهم , وتماطل في أعطاء شقيقها الكبير شهادة حسن سلوك كي يخرج من الفصل السابع !! ثم تسارع الى خنق المنفذ المائي الصغير للعراق على الخليج . أذا لماذا يحصل كل هذا والكويت كانت أحدى المرضعات التي رضع من ثديها قادة العراق الجدد , وتنعموا ببركات أموالها , ورضيت وقبلت بهم ؟ وأن كانت بريئة مما حدث في العام 1990 , لماذا يعلن اليوم مجلس محافظة البصرة الذي هو ليس مجلس قيادة الثورة السابق وأعضائه ليسوا صداميين أو بعثيين بأن ( الكويت تتبع أسلوب الحفر المائل لاستنزاف النفط من باطن الاراضي العراقية )وأن ( الكويت حاولت بأساليب ملتوية عرقلة جهود العراق لاستخراج النفط من أراضيه القريبة من حدودها ) ؟
أما أيران فلم يعد في العالم من صديق أو عدو الا وعرف ما الذي فعلته في العراق الجديد . مليشيات مارست القتل والخطف والاغتصاب على الجميع بلا أستثناء , وكان هدفها كل ماهو عربي بغض النظر عن طائفته أو دينه . تدمير ممنهج للصناعة الوطنية من خلال أغراق السوق العراقية بالرديء والرخيص الثمن . قطع الانهار التي كانت تصب في الاراضي العراقية وتدمير الحقول والبساتين وصب مياه البزل في شط العرب . زرع العراق من شماله وحتى جنوبه بالجواسيس ومحطات المخابرات , تحت أغطية ثقافية ودينية ومنظمات مجتمع المدني . قتل الكفاءات العراقية من أساتذة الجامعات والاطباء والضباط والطيارين . مصادرة القرار السياسي من خلال أحزاب سياسية ذات مرجعية أيرانية , ومحاولة الاستيلاء على الحوزة الدينية . التجاوز على الحدود العراقية وسرقة العلامات الحدودية , وأحتلال بعض الاراضي وأبار النفط كما حصل في حقل الفكة النفطي , أما القصف بالمدفعية الثقيلة بعيدة المدى على طول الشريط الحدودي , فما زال مستمرا حتى اليوم شرد بسببه الاف من المواطنين العراقين , ودمرت فيه الكثير من القرى والقصبات الحدودية . فأذا كانت أيران بريئة من عدوان 1988 والنظام السياسي القائم أنذاك هو المعتدي , أذن لماذا حصل ويحصل كل هذا للعراق والعراقيين اليوم , والبلد بيد أعوانهم وحلفائهم الراضعين من صدرهم ؟
أن كل الدلائل التي سقناها أنفا دلائل جرمية تجرم القيادتين الكويتية والايرانية , خاصة وأن النظام السياسي الذي كانوا يلقون عليه تبعات المشاكل قد رحل منذ أكثر من ثمان سنوات . بينما مازالت أيدي هؤلاء مغمسة بالدم العراق , وهو دليل على أن المشكلة ليست في النظام السياسي الذي يحكم البلد بل هي في الاجندات التي تحكم السياسة الكويتية والايرانية . فالايرانيون يعتقدون بأن نظامهم القائم الان يجب أن يعيد أمجاد الامبراطورية الفارسية القديمة , وأن العراق يجب أن يعود مجددا الى الحضيرة الكسروية بغض النظر عمن يحكمه , لان العداء هو لشعبه وليس لحاكميه , لذلك يجب أن يبقى مستنزفا حتى يركع , عندها سوف يبارك قرار حكامه بالاندماج كولاية في الجسد الايراني . أما القيادة الكويتية فأنها مازالت ملتزمة بالمنهج الذي خلقت من أجله , والذي فصلت على اساسه كي تكون دولة . أنه منهج توليد الاضطراب السياسي والاقتصادي للعراق بغض النظر عمن يحكمه , لصالح قوى دولية حاضنة لهم . فعندما عجزت أيران الكبيرة عن وقف الزحف العراق نحو التقدم بأتجاه أنتزاع الاعتراف بقوتها على مستوى الوطن العربي والاقليم , تحركت الكويت كي تكمل الدور فنجحت فيه . أما اليوم فالمطلوب منها هو الاستمرار في خنق العراق وتقطيع أوصاله كي لاينهض من جديد , عندها سيتحكم الاكراد بنفطه المار عبر تركيا , وتتحكم الكويت بكل صادراته ووارداته عبر المنفذ الجنوبي . في ثمانينيات القرن المنصرم رفضت الكويت طلب العراق بتأجير جزء من جزيرة بوبيان لانشاء قاعدة بحرية عراقية عليها , واليوم تجعل منها شوكة في ثغر العراق الوحيد .