مقدمات وشروط إنهاء المشروع الامريكي في العراق
د . خالد ألمعيني*
- متغيرات البيئة المحلية والخارجية
- أنماط الصراع القادمة في العراق
- مفاتيح النصر ومستلزمات التمكين
في مجرى التحولات الكبرى والعميقة التي تتعرض لها الشعوب ، لا يُلتفت كثيراً الى الوقائع والظواهر المؤقتة بل يتم النظر بقوة عمق هذه التحولات ومحركات التغير القادمة والتي غالباً مالا تطفو على السطح ولا يتم رصدها الا بعيون ثاقبة ورؤيا .
وفي العراق فان مشروع الاحتلال الامريكي أحدث شرخا كبيراً في بنية العراق ودولةً ومجتمعاً ، وتسميتنا للاحتلال الامريكيمشروعاً لانه ليس بصفحة واحدة وإنما مشروع واستراتيجية متكاملة كان القصد منها تغيير البنية السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى منظومة القيم الاجتماعية والثقافية السائدة .
وكشأن كل الصراعات فإن الصراع في العراق يعد استراتيجياً لأنه شامل ومتعدد الأبعاد والمستويات محلياً وإقليمياً ودولياً ، فالحرب والوجود العسكري الأمريكي في العراق ليس سوى صفحة تمهيدية وهذا النمط من الصراعات لاتقاس بنتيجة الحروب والمعارك العسكرية أو التفاوت العسكري وإنما يقاس بمدى تحقيقه للأهداف السياسية والاقتصادية التي شنت من اجلها الحرب ، وهكذا فأن المفكرين الاستراتيجيين يعتبرون الحرب بأنها " استمرار للسياسة ولكن بوسائل أٌخرى " أو يعرفون الصراع بأنه " فن ادارة حوار الارادات ".
وهنا لا بد من الاشارة إلى أن الفعل العسكري ينشأ وينتهي في خدمة الهدف السياسي وعدا ذلك سيكون نوعا من المغامرة والبطولة وأحيانا الانتحار .
في المقابل مقاومة الاحتلال التي تنشأ كرد فعل طبيعي على فعل الغزو والعدوان ينبغي لها أن تواجه الاحتلال كمشروع وكصفحات واستراتيجيات تخضع لقانون المراحل والمتغيرات ، وفي نموذج المقاومة العراقية الاسلامية والوطنية فأن هذه القضية لم يسلط عليها الضوء بعد ولم يتم انضاجها كما ينبغي على الاقل على المستوى النظري ، فقد اقترنت المقاومة وخاصة في مراحلها التي ارتفع فيها معدل العمل العسكري خارج معدلاته المتوقعة -اعترفت التقارير الامريكية بان مجمل العمليات المسجلة بنحو 164 ألف عملية للفترة 2003_تموز 2008 – مما أذهل مخططي الجيش الامريكي . فقد اختزلت الصفحة العسكرية مفهوم الصراع لدى المقاومة .
وهنا يمكننا القول بثقة وجدارة أن الولايات المتحدة قد منيت بهزيمة قاسية ومذلة في العراق ولم يجرؤ لغاية الآن أي قائد عسكري أمريكي على التفوه بكلمة الانتصار في العراق .
متغيرات البيئة المحلية والخارجية
جاء القرار الأمريكي في الإنسحاب من العراق نهاية هذا العام ليضع جميع اللاعبين الاساسيين في العراق أمام مسؤولياتهم ، هذا التغيير الذي تقف وراء جانب كبير منه حجم الخسائر البشرية والمادية الهائلة الذي كبدته إياه فصائل المقاومة العراقية لجميع مشاريعه ليضع مشروع الاحتلال بعد ما يقارب ثمانية سنوات أمام حقيقة واحدة وهي الفشل على معظم المسارات السياسية والاقتصادية والخدمية وحتى الأمنية ، مما أجبر الادارة الامريكية على اتخاذ القرار السياسي بوقف هذه الخسائر والاستنزاف المادي والمعنوي ولكن عبر مراحل تنفيذ تدريجية تحافظ على الحد الأدنى من المصالح وماء الوجه .
جاءت الاتفاقية التي أُجبرت حكومة الاحتلال على توقيعها كغطاء قانوني ليضمن انسحاباً هو أقرب الى الهروب المدبر ، وليضع حكومة هزيلة مفككة الارادات والولاءات أمام مصيرها أوكما قال الرئيس الامريكي الجديد في خطاب تنصيبه " سنترك العراق لأهله " والمقصود ترك العراق ليواجه مصيره بنفسهِ .
فطبقة الاحتلال السياسية الحاكمة بالنيابة عنه لم تستطع طيلة هذه السنين أن تقدم أية خدمات أساسية للشعب العراقي بل نهبت ثرواته بأنتظام ، وباتت معزولة ولم يعد احتقار الشعب وكراهيته لهذه الطبقة خافياً وخاصةً الاحزاب ذات النزعة الطائفية والعرقية والتي يحاول بعضها التملص من عباءته وخطابه الديني ومسؤوليته في ترسيخ مبدأ المحاصصة ليلبس لبوس الوطنية والوسطية ، أو تلك الأحزاب العنصرية ذات النزعة الانفصالية ، ولقد حقق الشعب العراقي في إنتفاضة الغضب في 25 شباط و بتماسك نسيجه الاجتماعي وخزين ذاكرته الوطنية انتصارا حقيقيا بإسقاط الفتنة الطائفية .
هذا الفشل جعل من الاتفاقية حبراً على ورق فليس هناك طرفاً حقيقياً ثانياً أمام الولايات المتحدة يستطيع أن يملئ الفراغ و يضمن مصالحها بالحد الأدنى أو يضمن خروجها ببعض ماء الوجه سياسيا ومعنويا بعد أن منيت بهزيمة عسكرية قاسية في العراق ، فضعف الحكومة وتفككها وتعدد ولاءات الاجهزة الامنية وتزايد الاحتمالات الأكيدة لانسحاب القوات الامريكية من المدن والقصبات والأرياف يؤكد أن العراق مقبل على احتمالات مفتوحة تذكرنا بظروف الانسحاب السوفيتي من أفغانستان ، فعلى الرغم من الهزيمة السوفيتية آنذاك ، إلا أن الاحتلال السوفيتي حاول تصوير الانسحاب من أفغانستان على انه انتصار من خلال ترك حكومة أفغانية محلية موالية ومستشارين سوفيت في الوزارات ، والجميع يعلم أن هذه الحكومة العميلة لم تصمد أيام بعد خروج السوفييت ، بل أن العد التنازلي بعدها بدأ في انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي نفسه في عقر داره .
أنماط الصراع القادمة في العراق
لكي نؤسس بصورة موضوعية للنصر ولكي تتحكم المقاومة العراقية بمفاتيح المستقبل القريب عليها أولا أن تنطلق من دراسة الحاضر بدقة وتشتق منه قواعد سلوك صارمة وتغادر فورا حالة الانشغال بالمشاريع المجتزئة وطريقة العمل بالفعل ورد الفعل والمواقف المسبقة ، تلك الطريقة التي سادت المرحلة الأولى من الصراع واعتمدت على التلقائية والعفوية والافتقار إلى النظرة الشمولية ( الإستراتيجية ) لإبعاد الصراع واختزاله بعنصر واحد هو الميدان العسكري وإهمال العناصر الأخرى السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تمكن من خلالها - المحتل المهزوم عسكريا - من المناورة وتحقيق نجاحات لا يمكن إنكارها على صعيد الحاضنة الاجتماعية والسياسية والأخطر من ذلك كله النجاح في التأثير النفسي .
تدار الصراعات الطويلة والعنيفة بين الأطراف عادة عبر نمطين من الاستراتيجيات - فن إدارة الصراع - و يمكن تصنيف الإستراتيجية إلى حقلين قد يبدوان من الناحية النظرية منفصلين عن بعضهما إلا أنهما متكاملان ويتبادلان الأدوار حسب ظروف وتقلبات طبيعة الصراع, ففي الوقت الذي تعد فيه القوة العسكرية هي المحور الأساسي في الإستراتيجية المباشرة, حيث تلعب القوة العسكرية الدور الرئيسي في الحسم ويميل من يتبنى الإستراتيجية المباشرة كمنهج إلى إن القوة العسكرية hard power هي دالة الصرع تمثل أفضل الوسائل وأكثرها جدوى ويتم الاعتماد في ذلك على وجود تفوق عسكري ساحق, أو إمكانية تحقيق ذلك ، في هذا الصنف من الإستراتيجية تم توظيف كافة عناصر الصراع الأخرى الاقتصادية والإعلامية والنفسية وتسخيرها في خدمة العمل العسكري.
الصنف الثاني المهم في الإستراتيجية والذي أصبح أكثر انسجاما مع متطلبات العصر الراهن حيث تتشابك وتختلط فيه عناصر القوة المادية والبشرية بصورة معقدة هو الإستراتيجية غير المباشرة وهي الإستراتيجية التي تحقق الأهداف والنتائج بصورة أساسية بوسائل تقرب غير مباشرة وغير عسكرية soft power أي العمل الذي لا تلعب فيه العوامل العسكرية سوى ادوار مساعدة لتحقيق الأهداف.
في الإستراتيجية غير المباشرة يشكل المجال النفسي وهو الوعاء الذي تتصارع فيه الإرادات المجال القائد و الأساسي ، ففي الوقت التي تتصف فيه الوسائل المادية بأنها محدودة, فان المجال النفسي يشكل معينا لا ينضب من القوى وقادرا على تقديم مصادر معنوية ومادية هائلة .
في الوقت الذي تميل فيه الإستراتيجية المباشرة عبر العامل العسكري إلى الحسم السريع فان الإستراتيجية غير المباشرة تميل عبر إدامة أمد الصراع الطويل إلى استهداف إرادة الخصم من خلال استنزافه وتعويده بصورة متدرجة على فكرة التخلي عن أهدافه من خلال إنهاكه بالملل, فالقوات النظامية القوية قد تكون قادرة على احتلال أجزاء من الأرض والدفاع عنها بشكل جيد ولكنها لا تستطيع فعل ذلك لفترات طويلة وعلى امتداد البلاد وطولها ، هنا يعمل الوقت والنفس الطويل ايجابيا في الإستراتيجية غير المباشرة فإذا كانت القوات النظامية متفوقة, توجب على الطرف الثاني أن يذوب على هيئة وحدات صغيرة (لقد وصلت الوحدات الجزائرية في بعض الحالات إلى مجموعات تضم خمسة عناصر), وإذا ما فشلت أو ضعفت قبضة القوات النظامية تجمع الطرف الثاني على هيئة سرايا وكتائب.
وفي مثل هذه الحالة يرى "ماوتسي تونغ" بأن مرحلة طويلة من الإنهاك المادي والمعنوي تؤدي في النهاية إلى تبدل ميزان القوى وتفوق احد الطرفين. حيث تتهيأ ظروف جديدة وملائمة لتحقيق حسم عسكري بإستراتيجية مباشرة, ويصبح من الممكن فرض الحل الذي كان مستحيلا قبل وقت.
فعند تحقيق انتصار عسكري من المهم المباشرة على الفور بمرحلة استثمار النصر والتي عادة ما يتم فيها تحقيق الحسم المطلوب من خلال العودة في هذه المرحلة إلى الهدف السياسي الذي من اجله قام الفعل العسكري, وعدم الوقوع في فخ الزهو الى حد التعالي والانغلاق بما حققه الفعل العسكري من حسم سريع والاكتفاء به, فمن المحتمل أن يلجأ الخصم إلى احتمالات أخرى ويناور بها بقصد إحداث تبدلات تعمل لصالحه، فربما يتم التمكن من كسر قدرة الخصم العسكرية عبر الإستراتيجية المباشرة hard power ولكنه يستعيد قواه لقلب الموازين عبر لجوؤه إلى عناصر الإستراتيجية غير المباشرة الأخرى الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية, وقد يحقق عبرها ما لم يستطيع تحقيقه عبر الوسائل العسكرية.
مفاتيح النصر و مستلزمات التمكين
لكي نؤسس بصورة موضوعية لمسك مفاتيح النصر علينا أن نعتمد على مسلمات وحتميات معروفة في إدارة الصراعات وننطلق في ذلك من حقيقتين :-
الحقيقة الأولى : القناعة الأكيدة بالنصر وإن جوهر الصراع ليس مادياً ولا عسكرياً فهي ليست إلا أدوات وان النصر يكمن في القدرة على المطاولة وكسر إدارة الخصم والعدة ، وهكذا فأن فشل مشروع الغزو الأمريكي في النيل من إرادة الشعب العراقي وكسرها وقهرها وانهيار بدلاً من ذلك إرادة الاحتلال ورغبته الملحة في مغادرة العراق يعطي من الناحية الإستراتيجية مؤشراً أكيدا على أن الطرف الذي قاب قوسين أو أدنى من النصر هو إرادة الشعب العراقي والتي كان لها الفضل في تدمير إرادة المحتل وجعل بقاءه إلى مالا نهاية مستحيلاً من خلال تكبيده كلفة باهظة مادياً وبشرياً طيلة سنين المنازلة ، فالاستمرار بالمطاولة يأتي من الإرادة المطلقة والتي تنبع بدورها من الإيمان الراسخ بقضية عادلة .
الحقيقة الثانية : الإيمان الراسخ بأن المقاومة ليست فعل عسكري مجرد وإنما يتكامل مع عدة أنواع أخرى مادية ومعنوية ينطبق عليها فعل المقاوم كمقاوم كالمقاومة السياسية والمقاومة المدنية بكافة أشكالها وصورها وتدرجاتها والتي تمثل في هذه المرحلة رأس الحرب في قيادة النضال الوطني ضد مشروع الاحتلال وهذا النمط من القيادة يحتاج قادة من طراز جديد وخطاب سياسي خاص .
الحقيقة الثالثة : النظر إلى الاحتلال في العراق على انه مشروع متكامل الأبعاد والصفحات وليس كتواجد عسكري أو مادي فحسب ، بمعنى هزيمة وخروج الجندي الأمريكي لا يعني نهاية الاحتلال فالعملية السياسية والدستور والمحاصصة الطائفية والفيدرالية ومنظومة قيم الاحتلال وقوانينه الاقتصادية كلها امتداد للاحتلال وجزء لا يتجزأ من منظومته التي ينبغي التعامل والتخطيط لها .
إن امتلاك عناصر القوة وهي دالة الصراع واليات توظيفها ، لا ينبغي أن يختصر بالعناصر المادية وإنما يمتزج بعناصر أخرى معنوية ونفسية وسياسية واجتماعية ، لذا سنعرض هنا جملة مستلزمات بشقيها المادي والمعنوي ، وهذه المستلزمات والمفاتيح هي رئيسية وأولية وقد تبدو من الناحية النظرية مفصولة عن بعضها ولكنها في الحقيقة متداخلة ويكمل بعضها البعض الآخر ، ويتطلب كل منها تفاصيل وعمل دؤوب لتتكامل بمنهج و برنامج تشكل بمجموعها ما يمكن أن نطلق عليه عناصر بناء الإستراتيجية في المدى القصير :
أولا - جهاد النفس : الكرة اليوم في ملعب أطراف الحركة الوطنية وفي مقدمتها فصائل المقاومة الإسلامية والوطنية التي يحول اليوم دون توحدها الكثير من عوامل التكبر والتعالي وأوهام القوة المنفردة وإمكانية أنجاز التحرير والاستقلال بدون التنسيق والتعاون مع بقية الآخرين مما يتطلب شعور عالي بالمسؤولية وضرورة التنازل وإعادة الحسابات وتغليب المشتركات على الاختلافات والعمل بموجب آلية التكامل بدل الاستئثار وبخلاف ذلك من المتوقع أن تجد الكثير من هذه الاطراف نفسها بعد حين تسبح خارج التيار ، وتغرد لوحدها خارج السرب .
ثانيا - وحدة الهدف : تشكل وحدة الهدف والمشروع السياسي الموحد الأساس النظري الذي يمكن للمقاومة بكافة أصنافها العسكرية والسياسية والمدنية من الالتفاف حولها ، ويمكن اختصار الأهداف الإستراتيجية للمقاومة والتي تحافظ على ثوابت الشعب العراقي بثلاث أهداف : 1 - الاستقلال الناجز بكافة مضامينه 2 - وحدة العراق أرضا وشعبا 3 - الحفاظ على هوية العراق العربية والإسلامية .
ثالثا - التكامل والقيادة ووحدة الصف : الشروع الفوري بتشكيل مجلس وطني للمقاومة العراقية تقوده فصائل المقاومة الإسلامية والوطنية ويشارك فيه ممثلين عن كافة أشكال المقاومة السياسية والمدنية ،وهذا المفتاح يشكل الشرط - الأساس أو ما يمكن أن نطلق عليه (key - master ) وهو كفيل لوحده بأحداث انتقالة نوعية كبيرة في معادلة الصراع في هذه السنة الانتقالية والحرجة من عمر الصراع وإذا كان الإخفاق في ذلك يشكل سابقا خطأ بريئا فأن استمراره في هذه السنة سيشكل خطيئة لا تغتفر لأنها ستحول المقاومة ودماء الشهداء إلى ذكرى جميلة ليس إلا . مثل هذه الولادة ينتظرها الشعب ليلتف حولها وينتظرها العدو وبقية الأطراف ، كما أن ذلك كفيل بملء الفراغ في الساحة ويحول دون وقوع البعض في فخ الاستدراج والتسقيط الفردي من قبل الاحتلال وحكومته أو من بعض تجار الدم العراقي أو أصحاب المشاريع الوهمية والحمل الكاذب والدكاكين والأكشاك الفارغة خارج العراق .
رابعا - التخطيط والنفس الطويل : لعل أحد أهم الإخفاقات السابقة في عمل المقاومة تمثل في التركيز على عناصر وإهمال أخرى وعدم التكامل والتوظيف لانجازات المقاومة العسكرية الهائلة مما ضيع فرصة حقيقية لتغيير خارطة الصراع في وقت مبكر وذلك بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي والعمل العفوي بطريقة الفعل ورد الفعل وانعدام التخطيط لفترات طويلة حيث تشكل الاستمرارية والمطاولة واستنزاف المحتل ولو بمعدلات قليلة ولكن ثابتة و بموجب خطة سياسية مدروسة أهم مفاتيح إنهاك الخصم وإيقاع الملل وأضعاف إرادته .
خامسا - تصعيد المقاومة المسلحة الراشدة : تمتلك الحركة الوطنية حاليا في العراق الرقم الصعب في المعادلة وهو الفعل المسلح فبعد انهيار إرادة الاحتلال لا توجد قوة قادرة على مواجهة المقاومة العراقية والتي لا تزال جذوتها متقدة رغم انخفاض معدلاتها ( ليس مصادفة أن يقتل خمسة جنود أمريكيين في الايام الاربعة الاولى من نيسان الحالي ) ، لتغير طبيعة الصراع ولكن ذلك مناط بقدرتها على استيعاب دروس المرحلة السابقة ، فعقلنة السلاح ومعرفة الهدف من وراءه وحدوده ومن هو المستهدف من وراءه وحرمة الدم العراقي ، كل تلك الشروط اللازمة لا تلغي حقيقة محورية وهي أن كلمة الحركة الوطنية لن تحترم ولن تسمع ما لم ترتبط بالقوة .
سادسا - ثقافة التسامح والعفو : شكلت عوامل عدم الثقة ووجود فجوات مابين شرائح المجتمع العراقي وانقطاع التواصل ، سببا في إحجام الكثير من هذه المناطق للالتحاق بصورة فاعلة بالعمل المقاوم وكذلك خوف الجميع من الجميع ومن حالات الانتقام ، مما يتطلب تشجيع التواصل وخاصة الاجتماعي وإشاعة روح التسامح وتكثيف وضمان وصول رسائل اطمئنان جدية لجميع الأطراف بغية استمالة و تحييد ما أمكن ، واعتبار ذلك المبدأ يشمل الجميع إلا من تورط بدم العراقيين أو ثرواتهم وحتى هؤلاء لا صلاحية لأحد بمحاسبتهم على أساس الأهواء وروح الانتقام وإنما من خلا ل القضاء العادل .
سابعا - ثقافة المقاومة بدل الإرهاب : حقق الاحتلال نتيجة لانحرافات وجرائم بعض التنظيمات المتطرفة والتي تم اختراقها والتي صبت بقصد أو بدون قصد في صالح الاحتلال لتتيح له إمكانية المناورة والنجاح في التأثير النفسي وخلط الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء بالمقاومة التي تستهدف الاحتلال ومشروعه في العراق ، وبالتالي أصبح نبذ الإرهاب بكافة صوره وضرورة إعلان و إيصال موقف فصائل المقاومة للشعب العراقي في التبرؤ من أي عمل يستهدف الأسواق والتجمعات والمدارس أو المساجد أو أية حالة يذهب فيها الأبرياء ضحية ،وذلك لعزل عمليات الاحتلال والمرتزقة المشبوهة عن عمليات المقاومة التي تستهدف حصرا الاحتلال ومن يضع نفسه في خدمته .
ثامنا - الحرب الإعلامية : أثبتت الثورات والانتفاضات الأخيرة في المنطقة أن التأثير النفسي للإعلام المقاوم قد يوازي الفعل المادي ويتجاوزه أحيانا ، وتشكل الدعاية المنظمة والإعلام الذي يعمل طبقا لإستراتيجية وتداول المعلومات مجالا رحبا للصراع النفسي وحوار الإرادات وتكمن أهمية هذا النوع من القدرة الناعمة ( soft power ) في تلك الإمكانية والطاقة الهائلة على صياغة مدركات الخصم والصديق على حد سواء وكذلك التأثير في معنوياته وإرادته بل وتوجيه سلوكه .
تاسعا - مسك الأرض واستعادة الحاضنة : يشكل الشعب والوسط الاجتماعي الغاية والوسيلة لأي فعل مقاومة وفقدان الحاضنة أو القدرة على التأثير فيها يجعل أي حديث عن المقاومة ضرب من الخيال والأوهام فالعدو لا يعترف ولا يحترم وكذلك الصديق والمحايد لا يعترف إلا بمن يمسك الأرض ، وشعبنا الذي تعرض للظلم والاضطهاد والحصار والحروب عقود طويلة ، لم يحظى بمن يخدمه أو يقدم له شيء بل أن الجميع يأخذ منه ويطالبه ورغم كل ذلك وبخلاف التوقعات المنطقية فاجأ الاحتلال بمقاومته وممانعته لكافة مشاريع الاحتلال ، وينبغي الآن على المقاومة بكافة أشكالها العسكرية والسياسية والمدنية العمل على استعادة هذه الحاضنة عن طريق إستراتيجية غير المباشرة وبالطرق النفسية وتقديم الخدمات وتعميق التواصل الاجتماعي وحماية الناس وتأمينهم ، فمقاومة لا يحبها شعبها لن تعيش ولن تستمر وهناك فرقا بين مقاومة يحبها شعبها ويعتقدها ضرورة له فيحتضنها ويحميها وبين مقاومة يخاف منها وينتظر ويتمنى اليوم الذي يتخلص فيه منها .
عاشرا - انتزاع شرعية المقاومة خارجيا : تبقى تجارب المقاومة قاصرة ما لم يتوفر لها غطاءا وامتدادا خارجيا يؤمن لها دعما وعمقا وجسرا دوليا ، والمقاومة العراقية عاشت المرحلة الأولى يتيمة يخشى الجميع من قوة الاحتلال العظمى في التعامل معها تحت الترغيب والترهيب ، ولكن من الواضح عند دراسة المتغيرات الدولية والإقليمية ووضع الاحتلال نفسه ، فان هناك هامشا ممكنا للحركة ، ولكن هذا الاعتراف والتعاون الذي سينشط على أساس المصالح لا يزال مرتبطا بالشرط - المفتاح والمتمثل بوحدة الهدف ووضوح البرنامج وتنسيق القيادة والتمثيل من جهة ومسك الأرض من جهة أخرى .
*دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية / العلاقات الدولية - جامعة بغداد
*باحث في مركز دراسات الاستقلال